شاهد من أهل تونس

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

 

أكثر من محطة تلفزية وموقع إلكتروني استعاد مشهد المحامي التونسي عبدالناصر العويني، الذي خرج إلى الشارع في العاصمة التونسية وحيداً بعد دقائق من الإعلان عن مغادرة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، ولم يكن الخبر، لحظتها، معروفاً على نطاق واسع، وراح يهتف بأعلى صوته: «بن علي هرب»، متوقعاً انضمام العشرات أو المئات أو ربما الآلاف إليه، لكن أحداً لم ينضم، وظلّ المحامي اليساري الشاب وحيداً، فالعاصمة كانت في حالة طوارئ والقبضة الأمنية شديدة.
لم تكتف تلك المحطات أو المواقع باستعادة ذلك المشهد الشهير، وإنما استضافت المحامي العويني لتسمع منه رأيه في الوضع التونسي الراهن، بعد مضي عشر سنوات على تلك اللحظة الثورية الحالمة التي خرج فيها إلى الشارع هاتفاً، ولم يكن مفاجئاً كمّ الإحباط وخيبة الأمل الذي عبر عنه الرجل لما آل إليه وضع بلده.
العويني الذي هتف يومها بالدارجة التونسية: «ماعدش نخاف.. اتحررنا.. يا توانسة اتنفسوا حرية»، اعتبر تلك اللحظة «انتصاراً شخصياً» حلم به منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، يتوق للتغيير شأنه شأن أقرانه من الشباب الذين كانوا يأملون في حياة أفضل.
ومن وجهة نظره اليوم، فإن الخطأ ليس في التغيير الذي حدث يومها نفسه، حين رفض الشعب النظام السابق، وإنما في طبيعة وبرامج النخبة السياسية التي آلت إليها الأمور في تونس بعد إسقاط ذلك النظام، والتي أظهرت أنها لا تقل فساداً وإفساداً عن النظام الذي سقط.
الثورة، بتقدير العويني، التي رفعت شعار «شغل - حرية - كرامة وطنية»، انحرفت عن مسارها، فثلاثي الشغل والحرية والكرامة الوطنية مترابط عضوياً، ولا قيمة فعلية لحرية، لا تؤمن بقية الشروط التي طالب بها الناس، أي الشغل والحياة الكريمة، فبعد التغيير الذي حدث «تُرك التونسيون يعانون العوز مما يحد من حريتهم وينتقص من كرامتهم. فالبلاد لا تزال تعيش في ظل نفس النمط الاقتصادي والاجتماعي، بالتركيبة ونفس السياسة غير العادلة التي تعطي الأقلية امتيازات على حساب الأغلبية»، وهي في ذلك لا تختلف، من حيث الجوهر، عن تلك التي كان النظام السابق يتبعها.
في حوار أجرته مع العويني إذاعة «مونتي كارلو» بالعربية، سأله المحاور عن الدرس الذي استخلصه، بعد مرور عشر سنوات على ما جرى، فأجاب بما فحواه: الحلم الثوري الرومانسي، على أهميته، لا يكفي وحده لإحداث التغيير المنشود، إن لم يقترن بنظرة سياسية واقعية، تأخذ بالحسبان موازين القوى وطبيعة الاصطفافات السياسية في المجتمع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"