ما لا تراه العين

22:35 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يعتقد البعض أن كون أدب الرحلة الأكثر قدماً يجعله الأكثر هشاشة والأسرع انهياراً أمام مستجدات العصر، وما تشتمل عليه من مبتكرات التصوير والإنترنت والمجالات الأدبية والفنية الأخرى، عدا عن كثرة السفر وسهولته. ورغم أنها سرقت الأضواء منه وصعّبت عليه المنافسة بالفعل، لكن الواقع يشير إلى تمكنه من التأقلم ومواكبة التطور بالتغير معه، كما تغيرنا، وتغيرت طريقة عيشنا، وحياتنا، وطموحاتنا.

ولأن الكتّاب هم أكثر من يمكنهم ملاحظة هذه التغييرات، ولديهم دائماً جديداً يكتبون عنه، ومناطق أو تفاصيل لا يعرفها ولا يراها الآخرون، كما رأوها هم، فقد برعوا في تضمين أدب الرحلة فصول رواياتهم وقصصهم وتراجمهم ليصبح أكثر اتساعاً، بل ولم يسبق أن بدا أكثر أهمية، أو أكثر تنويراً مما هو عليه الآن. ونجحت الرواية بصفتها رحلة استكشاف للواقع وللنفس وللحاضر والماضي وللأماكن وتطورات الحياة في توظيف موضوعات وتقنيات الرحلة، لتسبر أغوار النفوس والمناطق والأفكار والمدن والرحلات، ولتقدم للقارئ مادة ممتعة ومشوقة وغنية بتفاصيل الأماكن والشخصيات التي تدور فيها وحولها الأحداث.

ورغم تطور السفر أو الطرق، أو حتى وسائل التنقل الهائلة واليومية، لا يزال العثور على بلد، أو منطقة، أو شعوب بالكاد يمكن التعرف إليها، أو حتى فهم عاداتها، وتوقع أساليب حياتها، أمراً غير مستبعد، بل وأصبح السفر سفراً في عالم غير مؤكد، عالم شديد التنوع والتقلب، ومملوء بالمفاجآت التي لا يعرف الإنسان إن كان سيعثر عليها في طريقه، أو سيلتقي بها في خضم بحثه عن الجديد، والغريب، والمدهش. ومع امتلاك كتّاب الرواية والقصة مفتاح إبداع أدب الرحلات، استفادوا منه كثيراً في إبداعاتهم الأدبية،وقدموا للقارئ ما تعجز الصور عن وصفه، وكشفوا أمامه ما لا تراه عيونه، لكنه يستثير فضوله، ويروي عطش حاجته لمعرفة أن ما حجبته عنه الحياة، ستفتح له الرواية بواباته.

ومن أشهر الكتاب العرب في مجال أدب الرحلات من بعد «ابن بطوطة»، والكاتب المعروف «أنيس منصور» الذي أطل عبر بوابة هذا الأدب في فترة ستينات القرن الماضي بكتابات رشيقة وقصص من العالم لم تكن مصدراً غنياً بالمعلومات فقط، بل وأدباً ممتعا إلى اليوم. ولحقت بمنصور مجموعة كبيرة من الأدباء الذين أسهموا في رفد هذا الأدب بمساهمات لافتة ونوعية. وبرز في الإمارات الأديب محمد المر صاحب كتاب «حول العالم في 22 يوما»، والشاعر والأديب محمد بن أحمد السويدي الذي أسس جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة منذ ستة عشر عاماً، واعتبرت يومها، وإلى اليوم، مشروعاً مهماً أعاد الحياة لأدب الرحلة وأثرى المكتبة العربية بمنشورات قيمة، إضافة إلى تأسيس المركز العربي للأدب الجغرافي الذي أنجز إصدار ببلوغرافيا تضم كل ما صدر عن أدب الرحلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"