وجهان لمواقع التواصل

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليونيد بيرشدسكي  *

أعرب أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الذي تعرض للتسميم داخل روسيا حسب الحكومة الألمانية، عن قلقه بشأن قرار شركة «تويتر» إغلاق حساب دونالد ترامب. ونافالني ليس من المعجبين بترامب وهو أبعد ما يكون عن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته. أما سبب قلقه فهو أن الطريقة التي تحتشد بها شركات التقنية الأمريكية ضد ترامب وأنصاره الأكثر تطرفاً، يمكن أن تؤدي إلى أضرار في روسيا، حيث تحصر الدولة الوصول إلى وسائل الإعلام التي تسيطر عليها، ويعتمد منتقدوها على الشبكات الاجتماعية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، للتعبير عن مواقفهم وآرائهم.

ويقول نافالني: «تويتر شركة خاصة، لكننا رأينا العديد من الأمثلة في روسيا والصين على أن مثل هذه الشركات الخاصة أصبحت أفضل أصدقاء الدولة وعوامل تمكينها عندما يتعلق الأمر بالرقابة».

 وهذه السابقة سيتم استغلالها من قبل أعداء حرية التعبير في جميع أنحاء العالم. ففي كل مرة يحتاجون فيها إلى إسكات شخص ما، سيقولون: «قرار الحظر أمر عادي، حتى ترامب نفسه تم حظره على تويتر».

 وحجج الشركات الخاصة حاضرة دوماً. لقد تسامَح موقع تويتر وفيسبوك مع ترامب ومعجبيه أيام مجدهم - نشروا دعوات لقتل الصحفيين، وطرحوا أفكاراً عنصرية، وتهديدات مباشرة - طوال فترة رئاسة ترامب. وقد سمحت كل من «أبل» و«فيسبوك» و«أمازون» و«جوجل» رغم إنكارهم، لليمين المتطرف بالنمو والانتشار عبر خدماتهم إلى أن تطورت الأمور وحدث أمران خطيران أولهما شغب الكابيتول، والثاني نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ التكميلية في جورجيا التي منحت الديمقراطيين السيطرة السياسية الكاملة على الولايات المتحدة.

 لا أعرف أياً من الحدثين كان العامل الحاسم الفعلي في قرار شركات التقنية معاداة ترامب. لكنني أنظر إليها من وجهة نظر شخص يقاتل نظاماً في روسيا أو تركيا أو بيلاروسيا أو أي مكان آخر. أنت هنا تشاهد تسمية الرئيس الأمريكي المنتخب المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى حكومياً «إرهابيين محليين» – ثم يأتي رد فوري من شركات التقنية، التي تحاول إثبات أنها لا تزود «الإرهابيين» بمنصة. هل هم غاضبون فجأة لأن الإدارة الديمقراطية، المسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ، يمكن أن تعيد تنظيم عمل منصات التواصل بسرعة وبكل الأدوات المؤلمة؟

إذا نظرنا إليها من وجهة نظر روسيا أو تركيا أو الصين، حيث تكون مخاوف حكومات الحزب الواحد بشأن التحركات التنظيمية ذات الدوافع السياسية، على رأس أولويات أصحاب الشركات، تصبح هذه الصورة مألوفة.

 يمكن للمرء أن يقول بأنه حتى لو سارعت منصات التقنية في الولايات المتحدة للانضمام إلى الفائزين السياسيين في بلادها لتجنب مواجهة مكلفة، فإنهم لن يفعلوا الشيء نفسه مع الرئيس الروسي بوتين أو نظيره التركي أردوغان. فالأمر أكثر تعقيداً من ذلك. فقوانين الإرهاب والعصيان التي تفرضها هذه الأنظمة مماثلة لتلك المطبقة في الولايات المتحدة حالياً من الناحية النظرية. وإذا رفضت المنصات، فسيتم اتهامها بازدواجية المعايير، وستتعرض أدوات الحكومة الأمريكية المعلنة للمضايقة وربما الحظر. 

مثل هذا الخلط لم يكن ممكناً سابقاً، لأنه حتى المستبدين في هذه الأيام يضطرون للتشدق بحرية التعبير؛ وما فعلته المنصات يخرج هذا القلق من المعادلة. ولطالما انتظر دهاقنة الدعاية الروسية، من أمثال مارجريتا سيمونيان، رئيسة قناة «آر تي»، مثل هذه الفرصة الذهبية للتحريض على الانتقام من المنصات الأمريكية منذ أن بدأت تلك المنصات الإبلاغ عن محتوى من وسائل الإعلام التي تمولها الحكومة الروسية.

 لم يتم إنشاء منصات التقنية الأمريكية، بالطبع، لتمكين المعارضة السياسية للأنظمة الاستبدادية. إنها مؤسسات تجارية موجودة لكسب المال عن طريق بيع الإعلانات. ربما يكون من الخطأ الاستراتيجي لأي شخصية معارضة في أي دولة أن تراهن على تلك المنصات دون غيرها من وسائل التعبير الأخرى. ولكن نظراً لاحتكار المنصات من قبل فئة محددة، فإن خيارات المعارضين ليست كثيرة.

 وفي عالم اليوم، إذا كان لأية منصة أن توفر حرية التعبير، فيجب أن تكون خارج الحدود الإقليمية من الناحية التكنولوجية – متحررة من الاعتماد على أي مزود يواجه ضغوط الدولة القومية. أما من الناحية القانونية والمالية، فيعد إنشاء مثل هذه المنصة تحدياً هائلاً. لكن رغم كل ذلك لن ينجح المستبدون في وقف مسار الحياة. وسوف تستمر المعارضة السياسية للأنظمة غير الحرة تحت أي ظرف من الظروف، بمساعدة وادي السيليكون أو بدونها ؛ لكن حركات المعارضة السياسية في العالم تعرضت لانتكاسة هذه المرة على الأرجح.

* مدير مكتب «بلومبيرج» في برلين

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب عمود في «بلومبيرج»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"