السفراء.. بين الاحتراف والولاء

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

افتتاحية «بلومبيرج»

تقتضي المصالح العليا لأي دولة تحترم نفسها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا أبسط مبادئ العمل وأهم مقومات النجاح.

 ومع تولي الرئيس المنتخب جو بايدن مسؤولية ملء بعض الوظائف العليا في الحكومة ومنها السفارات الأجنبية، وبعد أن عيّن الرئيس دونالد ترامب عدداً من أنصاره الموالين له سياسياً بدلاً من الدبلوماسيين المؤهلين، في عدد قياسي من هذه المناصب، يفترض في خلفه عكس هذا التوجه من أجل ضمان الاحترافية في السياسة الخارجية الأمريكية.

 منذ إدارة جورج بوش الأب، تراوحت حصة مناصب السفراء التي يشغلها المعيّنون على أسس الولاء السياسي حول 30٪، وهي نسبة أعلى بكثير من أي دولة متقدمة أخرى. ومن بين المرشحين لمناصب السفراء من قبل الرئيس ترامب، الذين تمت الموافقة عليهم من قبل مجلس الشيوخ، هناك ما يقرب من 43٪ من المختارين على أساس الولاء السياسي وتنتهي ولايتهم مع نهاية عهد ترامب. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال هناك أكثر من عشرين منصباً شاغراً، إما بسبب إهمال البيت الأبيض أو عقبات في عملية الاعتماد في الكونجرس. ونتيجة لذلك، يمكن أن يكون ما يقرب من نصف مناصب السفراء الأمريكيين في الخارج شاغرة.

 وبعد وجوده لما يقرب من نصف قرن في قلب دوائر صنع القرار في الحزب الديمقراطي، أصبح لدى بايدن الكثير من الحلفاء المتحمسين لاقتناص المهام في العواصم الأجنبية. ومن هنا يجب على الرئيس الجديد أن يقاوم إغراء استبدال الموالين لترامب بسفراء موالين له شخصياً. بهذه الطريقة يجانب بايدن منطق الصواب الذي يقتضي اختيار الأشخاص الأكثر كفاءة. يتعلق الأمر أيضاً بالتحرك بسرعة لملء الوظائف التي ستظل شاغرة خارج السلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية.

 وغالباً ما يستغرق اعتماد المعيّنين على أسس الولاء السياسي وقتاً أطول بسبب إجراءات الحكومة المطولة في الاختبار والتدقيق والموافقات الأمنية. ومن المرجح أيضاً أن يعلّق أعضاء مجلس الشيوخ بعض الترشيحات لمناصب السفراء، خاصة المرشحين الذي يصنّفون على أسس حزبية. ورغم سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، فإن مأزق التعيينات الذي يتطلب اعتماد المجلس قبل كل شيء، يعني أن العشرات من السفارات ستبقى بلا قيادة حتى منتصف عام 2021.

 ومن الطبيعي القول إن الولايات المتحدة لا يمكنها الانتظار. فالسفراء غالباً ما يقضون وقتاً أطول في أداء مراسمهم الاحتفالية قبل الدخول عملياً في مهمات صنع السياسة، إلا أن وجودهم على الأرض ضروري للحفاظ على العلاقات مع القادة المحليين في الدول المكلفين بها، وتعزيز مصالح الشركات الأمريكية وإبراز القوة الناعمة الأمريكية. إن ترك مناصب السفراء فارغة يقوّض مصداقية الولايات المتحدة ويضع السلك الدبلوماسي تحت مزيد من الضغط، ما يجبر الدبلوماسيين في الصف الثاني في كل سفارة ​​على تقليص الخطط المقررة وتأخير القرارات حتى وصول السفير الجديد.

 ويمكن لبايدن اتخاذ خطوات سريعة لتلافي النقص. ويستطيع فريقه الانتقالي تحديد 50 سفارة شاغرة في الأماكن الحيوية لمصالح الولايات المتحدة وترشيح دبلوماسيين محترفين سبق لهم العمل كسفراء، من أجل ملئها. سيؤدي ذلك إلى تسريع عمليات الاعتماد في الكونجرس، ووضع مجموعة من المحترفين المتمرسين في الميدان. 

ويجب على بايدن خفض حصة المعيّنين على أسس سياسية إلى نسبة 30٪ عندما يكون الوقت مناسباً، ويفضّل أن تكون النسبة أقل من ذلك. ولا بد من الإشارة إلى أن السفراء الذين تربطهم بالرئيس علاقات شخصية يؤدون مهماتهم عملياً بشكل أفضل من الناحية النظرية على الأقل، لكن هذه الممارسات تركت آثاراً سلبية على مصالح الأثرياء والشركات. من هنا يجب على بايدن إعطاء الأولوية للخبرة المتخصصة والعلاقات المهنية في المنطقة التي يعيّن بها كل سفير، والمهارات اللغوية ذات الصلة. وهناك دلائل على أن كل تلك المواصفات قد تراجعت لدى أفراد السلك الدبلوماسي الحالي من السفراء غير المحترفين.

 ولا شك أن استعادة الدبلوماسية كأداة للقوة الأمريكية تبدأ باختيار الرجل المناسب الذي يمثل الدولة في الخارج. وهنا يمكن لبايدن أن يترك بصمته من خلال اعتبارات المهارات والخبرة أولاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"