لا «اختشوا» ولا ماتوا

01:06 صباحا
قراءة دقيقتين

في كل عمل يقدمه فنان نبحث عن الرسالة، والكلمة، والقيم، التي يريد إيصالها للجمهور، ونحاسبه وندقق في أدق التفاصيل، باعتبار أن حق الجمهور أن يبدي الرأي بجرأة، إنما بلا ذم وتجريح، وبلا مغالاة في المديح. لكن يبدو أن هناك فئة من هذا الجمهور لا تضع لنفسها حدوداً، ولا ترى أن من حق الفنان أيضاً أن يحاسب، ويعترض، ويدقق في الكلام المرسل إليه من الناس، خصوصاً حين يمس كرامته، ومن يمس أهل بيتك فهو نال من كرامتك بشكل مباشر. 
ظاهرة التنمّر المتفشية كالوباء على مواقع التواصل الاجتماعي، لا أحد يستطيع إيقافها سوى القانون، والقضاء الذي يحسم الجدل بملاحقة المعتدي لفظاً على أي شخص، لأنه يتسبب له بأذى نفسي ومعنوي ينعكس سلباً على حياته. ومنذ مدة، والنجوم يتعرضون لحملات تنمّر «غير بريئة»، ولا عفوية. وإذا كان للتكنولوجيا فضل في المساهمة بشكل كبير في انفتاح العالم وتوحده وسرعة التواصل بين الناس، وكسر الحواجز والأسوار بين من هم في القمة، والزعماء، والقادة، والنجوم، والناس العاديين، فهي السبب أيضاً في هدم الحدود بين الأدب والتجاوز، وبين الرقي في الحوار وانعدام الذوق والأخلاق.
لا يضع البعض للحرية حدوداً، فكل شيء مباح في نظرهم، حتى الدخول على صفحات المشاهير والسخرية من أبنائهم، وبناتهم، وزوجاتهم، بل ويصل الأمر إلى «الدعاء» لمن أطال الله بأعمارهن من الفنانات بالموت.
تذكرون طبعاً حملة التنمّر التي تعرضت لها زوجة محمد صلاح، لأن «شكلها وملابسها» لم تعجب البعض. آسر ياسين تعرّض لحملة مشابهة بسبب «قلة جمال زوجته»، ولم تسلم ابنتا شريف منير من سخافة التعليقات نفسها، وهما ما زالتا في سن المراهقة. تماماً كما حصل حديثاً مع نور ابنة عمرو دياب، وشيرين رضا، التي تلقت سيلاً من التعليقات الجارحة بسبب صورتها التي لم تتجمل فيها، بل نشرتها على صفحتها بالنمش الطبيعي على وجهها. وهل تسلم من تجري عملية تجميلية من هؤلاء المتنمرين؟ 
ينقلب السحر على الساحر أحياناً، فبسبب تلك الحملة المستفزة، تسلطت الأضواء على نور عمرو دياب، وهي التي تعمدت الابتعاد عن الفن، والنميمة، والأضواء، وأصبح اسمها على كل لسان، وصرنا نعرف أخبارها، ودراستها، ورقيها، واجتهادها، ونجاحها. 
سوسن بدر، نادية الجندي، ويسرا، من الفنانات اللاتي تعرضن لتنمّر غير إنساني، حيث سمح البعض لنفسه بالتساؤل لماذا ما زلن على قيد الحياة، ولماذا لا يجلسن في بيوتهن؟ 
لا حدود للتنمّر، يجرح في الصميم، لكن يسرا اللوزي تحولت إلى نمرة تدافع، إنما برقيّ وأدب على من مسّ ابنتها، فاستحقت كل التقدير، فبينما نعتها أحدهم ب«أم الطرشة»، للتلميح إلى إصابة طفلتها ابنة ال6 أعوام بصمم، ردت بمنتهى الاعتزاز بأنها فخورة بأنها أم لطفلة صماء «ستصبح إنسانة متفوقة ومثقفة وتعتمد على نفسها». 
المتنمرون لا «اختشوا» ولا ماتوا، ولا رادع لهم سوى القانون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"