عادي

البحث عن مخزون الدهشة

23:50 مساء
قراءة 5 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس

يؤكد عدد من الكتاب والنقاد أن استلهام التراث الحكائي كان حاضراً في الأدب، إلا أن اتجاهات التحرر الأدبي أدت إلى غياب ظهور ذلك الأثر، وتمويهه في الاتجاهات الحديثة للأدب العربي برمته، وأوضحوا أننا بحاجة إلى استثمار تراثنا الحكائي العربي القديم في أدبنا المعاصر، فهو مخزون ثقافي مهم وشائق ويفتح آفاقاً مدهشة للأدب المعاصر إذا ما رجعنا إليه.

ويضيفون في استطلاع ل«الخليج»، أن تراثنا بصفة عامة وتحديداً الحكايات الشعبية المنتشرة والمختلفة في تنوعها وموضوعاتها، لم تجد الاهتمام الذي تستحقه ولم يتم توثيقها بشكل عام وشامل، وأن «ألف ليلة وليلة» حظيت بنصيب الأسد من التوظيف القصصي والروائي بصوره المختلفة، سواء كان ذلك من جهة البناء أو آليات السرد أو التناص أو استخدام الشخصيات، ولعل ذلك يرجع لشهرة الليالي عالمياً.

سلاسة التنقل

الدكتور محمد عيسى الحوراني، ناقد وأكاديمي في جامعة العين، يقول: «يتكئ أدب كل أمة على موروثها، ولا ينبت عنه، وإن اجتهد في التجديد والتطوير. وأدبنا العربي الحديث نهل من معينه الأدبي الثّرِّ مع أنه ليس بمعزل عن الآداب العالمية، ولا سيما أن العصر الحديث يعد بامتياز عصر التداول الأدبي، لتداخل الأجناس وسلاسة التلقي وسهولة العبور في كل اتجاه عبر الوسائل الحديثة المختلفة.

إذا كان موروثنا الأدبي الضخم قد لاقى رواجاً في العالم الغربي، وانعكس في كثير من آثارهم الأدبية، عبر عمليات التأثر والتأثير، فإن أبرز الأعمال الأدبية التي لاقت رواجاً لديهم تمثلت في حكايات ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وحي بن يقظان، ورسالة الغفران، وغيرها. ولعل العنصر الحكائي ومستويات السرد في تلك الأعمال هي التي جعلتها تنتقل من المحلية إلى العالمية، فألف ليلة وليلة، انعتقت من الإطارين المكاني والزماني لتتوغل في العالمية وتصبح موروثاً إنسانياً».

ويضيف الدكتور الحوراني: «في أدبنا العربي الحديث، كان استلهام التراث حاضراً، بيد أن اتجاهات التحرر الأدبي أدت إلى غياب ظهور ذلك الأثر، على أن العصر الحديث بدأ مع عصر النهضة بمدارس اتباعية كلاسيكية كانت تستلهم التراث الشعري، لكن ذلك سرعان ما اضمحل أمام اتجاهات أدبية أخرى، أما الأدب الحكائي فقد كان هناك استلهام للمقامات تبلور على يد ناصيف اليازجي، ولكنه ما لبث أن تلاشى، كما كان هناك استلهام للسير الشعبية كسيرة بني هلال، والزير سالم، وغيرها، لكن الحضور الذي تغلغل في شرايين الأدب الحديث كان لقصص بعض الأنبياء التي تناصت مع الشعر تحديداً، وكذا كان لحكايات ألف ليلة وليلة التي كان لها تناغم مع النثر الحكائي وقصص الصغار والكبار».

حاضر مستمر

الكاتب والروائي سعيد الحنكي، يقول: «لا أظن أن الموروث الحكائي القديم قد استثمر بالكامل، ولا يمكن أن يحدث هذا على الإطلاق؛ لأن هذا الموروث يتجدد يوماً بعد يوم في التراكم المعيشي والحكائي للناس عن حاضرهم المستمر، ليعطي إضافة يتزود بها التاريخ باستمرار وجود البشر على الكرة الأرضية، وتفاعلهم في شؤون حياتهم ودنياهم، وأشبه هنا استمرارية العلاقة بين الماضي والحاضر بالحصان والجزرة، فكلما تقدمت الجزرة المربوطة في طرف العصا على ظهر الحصان خطوة، تقدم إليها الحصان نفس الخطوة، وهكذا يستمر الموروث في التراكم، كما أن ألف ليلة ليلة، هو موروث يخص المنطقة ما بين الهند وغرب آسيا وشمال إفريقيا، وقد نقل فوق هذا كله، تجارب من الصين وغيرها، وقد تحمس المستشرقون لهذا التراث ليدرس في الجامعات بأوطانهم الأصلية، ولا شك في أننا بحاجة إلى استثمار تراثنا الحكائي العربي القديم في أدبنا المعاصر، فهو مخزون ثقافي مهم وشائق ويفتح نوافذ جميلة وآفاق مدهشة للأدب المعاصر».

إهمال واضح 

وتقول القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي: «إن تراثنا بصفة عامة وتحديداً الحكايات الشعبية المنتشرة والمختلفة في تنوعها وموضوعاتها، لم تجد الاهتمام الذي تستحقه ولم يتم توثيقها بشكل عام وشامل ولم يتم نقلها إلى مجالات جديدة تتوافق مع حياتنا المعاصرة، مثل الصناعة السينمائية؛ لأن لغة العالم اليوم تكمن في الصورة المتحركة، فهي اللغة التي تستطيع الوصول للجميع بواسطتها، حكاياتنا التي يزخر بها التراث العربي ومحمّلة في الذاكرة العربية، تبقى حبيسة ولم تجد الفرصة والانبعاث لتطير وتحط في مجتمعات وأمم وثقافات أخرى. من وجهة نظري فإن هذا التقصير نتحمله نحن كمثقفين وأدباء، بصفة خاصة، والمؤسسات والهيئات التي تعمل في هذا المجال بصفة عامة، وأقصد المؤسسات المنوط بها المحافظة على الهوية الثقافية والتراثية، هؤلاء يجب عليهم وضع مبادرات تستهدف إخراج هذه الحكايات الجميلة والمعبرة والمدهشة من حالة الألسنة والتناقل الشفوي، إلى الكتب وتقديمها جاهزة لمنتجي الأعمال الدرامية، ولكل العاملين والمشتغلين بصناعة الأفلام. وفضلاً عن هذا نحتاج إلى جهود لصناعة هذا المحتوى ونقله في قوالب وأشكال تناسب الأطفال، خاصة في مجال الرسوم المتحركة، فمعظم الحكايات التي جاءت في ألف ليلة وليلة، كانت تتناقل على الألسن، لكن بعد توثيقها ونقلها في كتاب، تمكن المترجمون من نقلها للغاتهم، ووجد المشتغلون في مجال صناعة الأفلام فيها مادة جاهزة لتحويلها إلى مسلسلات أو أفلام، والذي أقصده أن المنتج الشعبي التراثي في مجال الحكايات يحتاج أولاً إلى مشروع قوي يستهدف حث المؤلفين والكتاب على الاهتمام به وإنتاجه في كتب، ثم تأتي الخطوات الأخرى في إنتاجه كأعمال تلفزيونية ونحوها، وسنجد أن المنتج السينمائي العربي ثري وكبير وسيكون إضافة للمنتج الثقافي العالمي، وسيكون إضافة حقيقية للمسيرة البشرية».

مرحلة مهمة

ويقول الروائي محمود حبوش: «يبدو أن ثمة تشابكاً، أو ربما تفاعلاً، من نوع ما، بين التراث السردي العربي الشعبي والفصيح من جهة، وبين فن القصة والرواية كما وصلنا من الغرب، من هذا التشابك في ظني، ولدت الرواية العربية بصورتها الأولى في العصر الحديث، فعلى ما يبدو، قدح السرد الأوروبي الحديث شرارة انطلاقة جديدة ومختلفة للسرد العربي، لكن تأثر الروايات العربية الأولى بالتراث العربي لا يخفى، سواء كان ذلك في البنية أو بعض آليات السرد أو حتى الموضوع، وأنا أتحدث عن روايات أو قصص عربية ريادية ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مثل «دُر الصَدَف في غرائب الصُدَف»، لفرنسيس مرّاش». 

ويضيف: «من المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الجيل الأول الذي كان مطلعاً على الآداب الغربية، كان مطلعاً بدرجة أكبر على التراث العربي، بما في ذلك التراث السردي مثل فن المقامات الذي كان يلجأ إليه بعض الكتاب حتى ذلك الوقت».

ويتابع حبوش قائلاً: «بعد ذلك ظهرت روايات تشبه إلى حد ما الرواية الغربية الحديثة، مثل «زينب» 1914، لمحمد حسين هيكل، وقد اعتبرها البعض الرواية الأولى عربياً من جهة اكتمال عناصرها. وبطبيعة الحال، وصلت الرواية العربية في قالبها الغربي الصرف قمتها مع نجيب محفوظ، الذي لم يغفل التراث مع ذلك؛ بل لجأ إليه مباشرة في رواية «ليالي ألف ليلة». ومحفوظ تحدث صراحة عن إيمانه في مرحلة من حياته، بأن الشكل الصحيح للرواية هو الأوروبي، ثم تخلى عن ذلك لاحقاً، بداية من الحرافيش. وجهة نظر محفوظ هي ضرورة الوصول إلى «نغمة داخلية» في العمل الروائي، بحيث لا تكون تقليداً صرفاً للتراث أو الشكل الغربي؛ بل تعكس تجربة الكاتب الشخصية. إيميل حبيبي حقق هذه النغمة بصورة كبيرة في «المتشائل»، وأعتقد أن رؤية نجيب محفوظ يجب أن تمثل هدفاً مثالياً نصبوا إليه ككتاب، هذا الهدف يتمثل في الوصول إلى هذه «النغمة الداخلية» التي تتحقق ربما، من انصهار جميع المؤثرات الثقافية الأصيلة، من تراث عربي وشعبي، فضلاً عن التجارب المعاصرة، بما فيها من مؤثرات تكنولوجية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"