الناعقون بحتمية الحرب الباردة

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

زهاو هاي *

هناك مجموعة من الصقور في واشنطن كان يمثلها وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، اندفعت في محاولة أخيرة لتعزيز التيار المتشدد في العلاقات مع الصين بما قد يؤدي إلى حرب باردة جديدة بين البلدين.

 أما خارج دوائر الحكومة، فيناقش المحللون والأكاديميون ما إذا كان البلدان وقعا بالفعل في فخ الحرب الباردة الجديدة. بعضهم يقر بوقوعها، ويراهن على إدارة جو بايدن فقط في محاولة تحقيق انفراج، بينما ينكرها آخرون، ويطالب هؤلاء الصين بالعمل مع إدارة بايدن لتجنب مثل هذه النتيجة.

 والحقيقة هي أنه خلال عهد دونالد ترامب شنت الولايات المتحدة هجوماً «كاسحا» على الصين، فشل في تحقيق أهدافه. ومع محاولة إدارته فرض نهجها على خليفتها، ينتظر البعض بداية جديدة غير مريحة للعلاقات الثنائية في الأشهر المقبلة.

 ويبدو أن مقاتلي الحرب الباردة الجدد لديهم كل الأدلة التي يحتاجون إليها لإعادة تنفيذ الاستراتيجية المفضلة لديهم التي استخدموها في الحرب الباردة الأولى. وهم يشيرون إلى قوة «رؤى التطور» المتصاعدة ذات التقنية العالية التي يحكمها حزب شيوعي، وتعمل بنظام اقتصادي سياسي اشتراكي. ومن ثم، يُفترض أن الحرب الباردة الجديدة ترتدي لبوسين في الوقت نفسه، أحدهما يسمى فخ «اسبارطة-أثينا» والآخر يدعى صراع الحضارات.

 ومنذ أن بدأت العداوة الحالية بحرب تجارية، فإن هذه الحرب الباردة غير المسماة لها مقدمة تسمى «التباعد». أي أن الصين والولايات المتحدة يمكن أن تتجها إلى نوع من الحرب بسبب الاختلافات الكبيرة في تاريخهما، وثقافاتهما، وقيمهما، وأعرافهما، ومؤسساتهما، وقوانينهما، ومصالحهما، ونواياهما.

 لكن هل هذه الاختلافات ستكون مجابهة، أو حتى توجهاً نحو الحرب الباردة؟ هل هناك حقاً فخ، بغض النظر عن من هم المسؤولون في واشنطن وبكين، ما يعني أن الصدام الأيديولوجي أمر لا مفر منه؟ الجواب لا، و يمكن للبلدين أن يضعا أساساً جديداً لتمتين العلاقات الثنائية عبر المياه الخطرة.

وعلى الجانب الصيني، أصبح التعاون المتبادل هو نموذج التنمية الجديد. هذا تعديل حاسم لاستراتيجية التنمية بعد الاعتماد على الذات قبل الإصلاح، واستراتيجيات عصر الإصلاح الموجهة نحو التصدير. وعندما كانت الصين تركز على اللحاق بالركب الاقتصادي، كان التعاون الدولي هو مركز النشاط الاقتصادي، حيث منحت الصين سياسات تفضيلية تجاه الاستثمارات الأجنبية وحرية تبادل العملات الأجنبية، ما أدى إلى علاج نقص رأس المال ولكن أيضاً ولّد مستوى عالياً من الاعتماد على الأسواق الخارجية.

 والآن، وقد أصبحت الصين أكبر دولة تجارية، وتملك أكبر احتياطي أجنبي في العالم، يجب تنفيذ استراتيجية جديدة لمعالجة الاختلال داخل الاقتصاد. إن محدودية قدرة السوق الدولية، وزيادة عدم استقرار العرض الأجنبي وضعفه، والتنمية غير الكافية للتكنولوجيات المتقدمة، أو الناشئة، والقدرات المبتكرة، والمخاطر المتزايدة من إجمالي الديون والتحديات التي يطرحها مجتمع شائخ، كلها تستدعي حدوث تحول في أولويات الحكومة وسياساتها. وعلى هذا النحو، ستركز الخطة الخمسية الرابعة عشرة، و«رؤية 2035»، على تطوير سوقها المحلي الواسع والمتنامي وبناء اقتصاد أخضر قائم على الابتكار. لذا يوجد لدى الصين حافز قوي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي والعالمي حتى تتمكن من تأمين بيئة خارجية مواتية.

  سواء كان من منظور جيوسياسي، أو أيديولوجي، ستظل الصين قوة غير عدوانية لها مصلحة راسخة في تحسين النظام العالمي الحالي، وليس إضعافه، أو التخلي عنه، أو تدميره بغرض إنشاء أو استعادة «قطب نفوذ» متمحور حول الصين.

 وعلى الجانب الأمريكي، أصبح تجديد الطبقة الوسطى هو الموضوع الرئيسي لإدارة بايدن، الذي يدرك عدم جدوى بناء الجدران والتحريض على العنصرية وفرض «المعاملة بالمثل» على الآخرين للتخلص من أضرار الأتمتة، والرقمنة، والعولمة. وهناك تفاوت هائل يختبئ وراء واجهة إحصاءات «وول ستريت»، وحاجة ماسة للإصلاح الحقيقي لنظام الضرائب والتعليم والرعاية الصحية وأنظمة العدالة في الولايات المتحدة طال انتظاره. لقد زادت جائحة «كورونا» من صعوبة الاستفادة من السياسات المالية والنقدية لتسهيل تنفيذ التغييرات الهادفة.

 وفي حقبة ما بعد الوباء، تخلق إعادة التوازن الداخلي لكل من الولايات المتحدة والصين طاقة جديدة وفرصة لمزيد من التعاون والتنسيق. وقد يرحب توسيع السوق الصينية بالمزيد من المنتجات الأمريكية، وقد يؤدي التخفيض العالمي لانبعاثات الكربون وتحول الطاقة، إلى خلق طلب جديد على تطوير التكنولوجيا الخضراء المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، وسوف يستفيد برنامج تحديث البنية التحتية الأمريكية من الاستثمارات والمشاركة الصينية. وعندما تنبت المصالح المشتركة وتزدهر في عصر جديد، فإن الحديث عن فخ جديد للحرب الباردة سوف يموت بهدوء.

* زميل باحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

زميل باحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"