صورة وأكثر من 1000 كلمة

00:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
1
1

علي الأحمد *

الصورة بألف كلمة، هو مثل نتداوله، فهل حقاً تستطيع صورة واحدة اختصار 1000 كلمة وأكثر؟

 يعتقد الكثيرون صحة المثل، فالصورة تشعرنا بالحنين إلى محطات مررنا بها، وحين ننظر إلى أرشيف حياتنا نعود إلى ذلك الزمان والمكان ونشعر بقربه منا، بل نكاد نسمع أصوات الوجوه التي ننظر إليها، وكأنها تتحدث إلينا بصوت لا نسمعه بآذاننا بل بقلوبنا، وقد تفاجئنا صورة فنتذكر رفيق درب تلاشت ذكراه أو موقفاً كان في طيّ النسيان.

 يقول المصور السويسري روبرت فرانك «هناك شيء واحد يجب أن تحتويه الصورة، إنسانية اللحظة»، أما البريطاني دون ماكوين فيؤكد «إن كنت لا تشعر بما تنظر إليه، فلن تجعل الآخرين يشعرون بأي شيء عندما ينظرون إلى صورك»، والأمريكي رالف هاترسلي يقول «نحن نلتقط الصور لنفهم ما تعنيه حياتنا بالنسبة لنا»، يبدو بأن السيد هاترسلي قد فهم حياته وسيحتفل بعيد ميلاده المئة في مارس (آذار) القادم.

 لكل منا صوره، وللأوطان صورها، صور تحمل ذات الرسالة لكل أفراد الشعب وتؤثر فيهم بنفس الدرجة، ولعل الصور الأشهر هي التي ارتبطت بأحداث سياسية مهمة كالمعاهدات ولقاءات الزعماء في أوقات مفصلية من التاريخ، رحلت أجسادهم وخلدت صورهم، لتكون كتاب مجد أو دليل إدانة.

 إحدى أشهر الصور السياسية التي ترمز للمصالحة الفرنسية الألمانية هي صورة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والمستشار الألماني هلموت كول جنباً إلى جنب ويداً بيد في 22 سبتمبر 1984 في الذكرى السبعين لاندلاع الحرب العالمية الأولى، والصورة ترمز للصداقة بين ميتران وكول وتبرهن قدرة الشعبين على التحول من أعداء جمعتهم ساحات المعارك لقرون طويلة، ليصبحوا حلفاء متفقين، ليس فقط على خدمة مصالحهم الوطنية، بل على خدمة الوحدة الأوروبية بأسرها.

 عندما جاءت لحظة الاختبار الكبرى في سنة 1989 وسقط جدار برلين، ظهر عمق الصداقة والثقة المتبادلة بين الزعيمين، يقول جواكيم بيترلش Joachim Bitterlich عضو مجلس إدارة معهد جاك ديلور، والرئيس السابق لقسم السياسة الأوربية في مكتب المستشارية الالمانية: «كانت لدى ميتران تحفظات عل الأقل في البداية على إعادة توحيد ألمانيا، ولكن بمجرد اقتناع الرئيس ميتران بالنوايا الحسنة للمستشار الألماني كول، أعطى الضوء الأخضر وتوحدت عندها ألمانيا على الرغم من أن وجود ألمانيا موحدة في قلب أوروبا كان يقلق الكثير من الأوربيين».

 هناك مقولات كثيرة حول رمزية هذه الصورة كجزء من تاريخ البلدين، إحداها تقول «إنها لحظة تأمل في تاريخ فرنسا وألمانيا»، وبعد 8 سنوات من الصورة أعلن رسمياً قيام الاتحاد الأوروبي في 1992، والمصالحة بدأت فعلياً بانتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وأكمل ميتران وكول مسيرة بدأها الزعيم الفرنسي شارل ديجول والمستشار الأول لألمانيا الغربية كونراد اديناور.

 لكل شعب صوره التي ترمز إليه، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة هناك صورة تخاطبنا وتمثلنا، ولحظة تأمل تخصنا، صورة تلهمنا وتنير دروبنا، التقطت الصورة في يوم خميس شتائي على شاطئ جميرا في دبي، وفي الصورة مبنى دائري من طابق واحد، كثير النوافذ وعلى سطح المبنى وقف عدد من المصورين استعداداً لالتقاط الصورة التي جاؤوا من أجلها، وكانت هناك سارية لعلم على وشك أن يرفع للمرة الأولى، وعندما جاءت اللحظة التف الرجال حول السارية، منهم من قال بسم الله ومنهم من قال توكلنا على الله، توحدت القلوب واتحدت الأيدي ورفع العلم الجديد، كان ذلك في الثاني من ديسمبر 1971 عندما أشرق النور.

* سفير دولة الإمارات في فرنسا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"