اللجنة الدستورية إلى أين؟

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

لم يُخفِ غير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، إحباطه من الأجواء المحيطة بعمل اللجنة الدستورية، المنوط بها كتابة دستور جديد لسوريا، وذلك بناءً على القرار الأممي 2254، وفي إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدا بيدرسون متشائماً، بناءً على تجربته خلال الجولات الأربع للجنة، وقال إن السبب الرئيسي في بطء تقدّم عمل اللجنة يعود إلى «الانقسامات العميقة داخل سوريا، وفي المنطقة، وعلى الصعيد الدولي، ما يجعل التوصل إلى إجماع حول كيفية تحقيق خطوات متبادلة وقائمة على مبدأ التعامل بالمثل، ودبلوماسية سوريّة، أمراً صعباً للغاية»، وعلى الرغم من حالة الإحباط السائدة تجاه إحراز نتائج إيجابية في الأمد المنظور، إلا أن المبعوث الأممي لا يملك غير الاستمرار بمهمته، على أمل إحداث اختراق في مواقف الأطراف المعنية بالمسألة السورية.

 زمنياً كان من المفترض أن تكون اللجنة قد أنهت أعمالها في عام 2016، بناءً على نص القرار الأممي، لكنها فعلياً بدأت أعمالها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، واستغرق تشكيلها قرابة العامين، وفق صيغة مشاركة ثلاثية بين الوفد الحكومي، ووفد المعارضة، ووفد المجتمع المدني، وهي صيغة تجاوزت مفاوضات جنيف التي كانت محصورة بين النظام والمعارضة، وعلى الرغم من قبول معظم الدول المنخرطة بالصراع السوري بأن تكون كتابة الدستور مقدمة للحل السياسي، خصوصاً الدول الثلاث الضامنة (روسيا، وتركيا، وإيران)، لكن الوقائع الفعلية التي طرحتها إحاطة المبعوث الأممي تشير إلى أن هذه الدول لا تزال تعرقل عمل اللجنة، وذلك في إطار ما أسماه بيدرسون «الانقسامات الإقليمية والدولية»، وهو التعبير الدبلوماسي عن حالة الصراع بين هذه الدول على حصصها في مستقبل سوريا.

 في 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقدت روسيا مؤتمراً لعودة اللاجئين في العاصمة السورية دمشق، وعلى الرغم من مطالبات دولية بعدم عقد المؤتمر، إلا أن إصرار روسيا كان واضحاً على عقد المؤتمر بمن حضر، على الرغم من اعتراض جهات دولية وازنة، مثل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن ملف عودة اللاجئين، بالقياس إلى تجارب عديدة، هو ملف مرتبط بإنجاز الحل السياسي، ومن أجل نجاحه يحتاج إلى خطوات سياسية ومالية كبيرة، لم يتحقق منها شيء، لكن إصرار موسكو أفسح في المجال أمام بروز تكهنات عديدة، من بينها عدم تعويل موسكو على اللجنة الدستورية، ومعرفتها المسبقة بأن حظوظ نجاح عمل اللجنة ليست كبيرة، وبالتالي فإن ثمة ضرورة، من وجهة نظرها، بأن يتم القفز عن اللجنة، وما ينتظرها من عراقيل، إلى بحث ملف اللاجئين، والذي يعني بالضرورة طرح ملف إعادة الإعمار على الطاولة، وهو الملف الأهم من الناحية الاقتصادية لموسكو، وقوى أخرى منخرطة في الصراع السوري.

 في الجولة الخامسة الأخيرة من أعمال اللجنة الدستورية، عوضاً عن الخوض في كتابة مقدمة الدستور كما كان مدرجاً على جدول هذه الجولة، غرقت اللجنة من جديد في تفاصيل جديدة، مجملها سياسي، وليس الإقرار بها من صلاحياتها، وما جرى في هذه الجولة يكاد يكون تكراراً منسوخاً عن مشكلات التفاوض التي شهدتها جولات جنيف العديدة، والتي لم تثمر عن أي نتائج، وانتهت لتكون مجرد محطة من محطات الصراع السوري، تنفع أن تكون درساً في إضاعة الفرص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا.

 وبالعودة إلى القرار الأممي 2254، فهو يضع اللجنة الدستورية كخطوة رئيسية من أجل تشكيل «هيئة حكم ذات مصداقية، وإجراء انتخابات برعاية أممية»، وبالتالي فإن الانتخابات ينبغي أن تكون وفق الدستور الجديد الذي سينبثق عن أعمال اللجنة، لكن من الناحية العملية فإن إجراء هكذا انتخابات هو أمر يكاد يكون مستحيلاً من الناحية الزمنية، فالانتخابات الرئاسية المقبلة ستجري في يونيو/ حزيران المقبل، وهي بحسب تصريحات الحكومة السورية، والتأكيدات الروسية، ستجري في موعدها المحدد، وهو ما يعني أنها ستتم وفقاً لدستور عام 2012، وليس وفقاً للدستور الذي يفترض أن ينبثق عن اللجنة الدستورية.

السؤال الذي يطرح نفسه بناءً على التعقيدات الكثيرة هو: هل ستحدث اختراقات جدية، من شأنها أن تسرع عمل اللجنة، قبيل الانتخابات الرئاسية؟

 لغاية اللحظة، لا توجد أسباب واقعية، أو متغيرات جذرية تدفع للتفاؤل، بحدوث تحولات دراماتيكية تسرّع من عمل اللجنة، وتساعد في إنجاحها، بل إن المؤشرات والتجربة تقولان بأن مساعي المبعوث غير بيدرسون لن تكون نتائجها أفضل من نتائج سلفه ستيفان دي مستورا الذي رفع الراية البيضاء مستسلماً أمام تعقيدات المسألة السورية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"