تقرير مموه عن حرب الجزائر

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيلة رمضاني *

على الرغم من حصول الجزائر على استقلالها عن فرنسا، إلا أن المستعمر المهزوم لا يزال يسعى إلى إملاء تاريخ الأمة. في الواقع، ومع اقتراب الذكرى الستين للهزيمة الساحقة لفرنسا في عام 1962، فإن الدولة المسؤولة عن واحدة من أكثر الأحداث إثارة للاشمئزاز في التاريخ الاستعماري مصممة على التحكم في السرد.

وتحقيقاً لهذه الغاية، أصدرت إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون للتو تقريراً جديداً عن ذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية، ووضعت بحزم وبشكل مؤسف ختم الموافقة الرئاسية على وثيقة من جانب واحد. ويحاول التقرير وصف كيف ولماذا تظل العلاقة بين الجزائر وفرنسا مضطربة ؟ وتقدم مقترحات للتحسين.

التقرير مثير للجدل بشكل كبير بالفعل بسبب ما فشل في التوصية به وهو الاعتذار. فعلى الرغم من فقدان الجوهرة في إمبراطوريتهم بعد أكثر من قرن من القهر المميت، يبدو أن الفرنسيين لا يعتقدون أنهم كانوا مستعمرين بما يكفي لإظهار أي ندم.

وعند تقديم الوثيقة الجديدة المكونة من 146 صفحة، كان المتحدث باسم ماكرون يصر على أنه «لن تكون هناك توبة أو اعتذار». وكان الغرض السياسي الصريح من هذا البيان ظاهرياً منع استخدام التاريخ لفتح المزيد من الانقسام. لكنها في الواقع تسمح لفرنسا بالتهرب من المسؤولية.

ويعطي الملف الشخصي لمؤلف التقرير المعين من قبل ماكرون فكرة عن سبب كونه أحادي الجانب. فالمؤرخ بنيامين ستورا وهو أكاديمي يقيم في باريس وليس في الجزائر العاصمة. علاوة على ذلك، فهو ينحدر من عائلة هربت من الجزائر مع مئات الآلاف من المستعمرين الأوروبيين في عام 1962 والذين عُرفوا باسم الأقدام السوداء (بيه نوار).

وعلى الرغم من هذا التاريخ، اعتبر ماكرون ستورا الباحث المناسب لإلقاء الضوء على موضوع مزعج لا يزال يؤثر في أولئك الذين يعيشون في شتات، يقدر عددهم بنحو 800000 في فرنسا. 

وتتضمن مهمة ستورا الأصلية أيضاً المساعدة في تحقيق «المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري»، لكن وفقاً للأدلة حتى الآن، من غير المرجح تحقيق هذا الهدف.

 يتضح هذا على الفور عندما يركز ستورا، في مقدمة تحقيقه التاريخي المفترض، ليس على وحشية الحقبة الاستعمارية؛ بل على الهجمات الوحشية الأخيرة التي نفذها الإرهابيون الإسلاميون في فرنسا. ويشير على وجه التحديد إلى الجرائم البشعة التي لا علاقة لها بالجزائر على الإطلاق، بما في ذلك قطع رأس مدرس من قبل حامل جواز سفر روسي في إحدى ضواحي باريس، وثلاث عمليات قتل لرواد كنيسة كاثوليكية على يد مهاجر تونسي في مدينة نيس الجنوبية.

 ومع ذلك، ووفقاً لمنطق ستورا المضلل، فإن مثل هذه الفظائع مرتبطة في الواقع بالجزائر الحديثة. ويبين لاحقاً هذه الصلة غير المؤكدة؛ حيث كتب أن تثقيف الشباب المسلمين حول «الاستعمار والحرب الجزائرية» هو «ضمانة ضرورية» ضد انتشار «الإرهاب الإسلامي».

وما يفعله ستورا هو تكرار خطاب ماكرون المثير للجدل حول ما يسميه الرئيس «الانفصالية» الإسلامية في أكتوبر الماضي، الذي تحدث فيه عن «صدمات» «الماضي الاستعماري» لفرنسا- وخاصة الحرب الجزائرية- ما يغذي الاستياء غير المعلن، التي يُزعم أنها تؤدي إلى تطرف الشباب وتؤدي إلى هجمات إرهابية.

يتظاهر تقرير ستورا عديم الفاعلية بالاهتمام بالعدالة بينما يقوم بتبييض الجرائم الاستعمارية، ويظهر أن ماكرون يفعل كل شيء لمحاولة كسب مؤيدي لوبان.

وهذا هو الحال بالنسبة لماكرون. لقد زار الجزائر خلال حملته عام 2017 وقال إن الاستعمار كان «جريمة ضد الإنسانية»، مضيفاً: «إنه حقاً بربري وهو جزء من الماضي الذي نحتاج إلى مواجهته بالاعتذار لأولئك الذين نحن ضدهم على هذه الأعمال».

ولكن كيف يتناسب هذا البيان مع أحدث الكلمات الصادرة من قصر الإليزيه؟ والتناقض بين عامي 2017 و 2021 يكشف عن قدر كبير من السخرية المظلمة لماكرون عندما يتعلق الأمر بتحقيق أهدافه السياسية التي تخدمه.

* صحفية وكاتبة عمود ومذيعة فرنسية جزائرية (فورين بوليسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفية وكاتبة عمود ومذيعة فرنسية جزائرية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"