غداء مع لورانس العرب

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

حين أراد الباحث البريطاني مايكل آشر كتابة سيرة «لورانس العرب» ذهب إلى الأردن. هناك ذات صباح قائظ تسلق تلاً بوادي رُم، باحثاً عن «نبع لورانس» حيث كان الرجل يستحم أثناء إقامته بالوادي عام 1917. وقبل أن يجد المؤلف ضالته، التقى أعرابياً من أحفاد القبائل التي قاتلت مع لورانس أدهشه بالقول: «لم يكن لورانس قائداً للثورة العربية، كان مجرد مهندس يعرف كيف يفجر خط السكك الحديدية، رجل ديناميت – هذا كل ما كانه».
هذا البدوي الحكيم لخّص الأمر ببلاغة يعجز عنها عتاة المحللين، الذين حاروا في أمر هذا الرجل الغامض الذي أتى الصحراء العربية، في مظهر المقاتل مع العرب ضد الدولة العثمانية، بوصفه ممثلاً للدولة البريطانية التي وعدتهم بنصرتهم في إقامة دولة عربية موحدة وقوية، في حال نصروها في حربها ضد العثمانيين.
حكى آشر حكاية هذا البدوي في كتابه الذي أصدره في خلاصة رحلته تلك، وهو متاح في ترجمة عربية، بعنوان «لورانس.. ملك العرب غير المتوج»، وضعتها د. فاطمة نصر، وقدّم لها د.عاصم الدسوقي، الذي رأى أن بساطة العرب في التعامل مع لورانس هي ما شدته إليهم. لقد فَتنه أن التفكير العربي بسيط، غير مركّب، للدرجة التي تقبل بها العرب خدماته ونصائحه من دون أن يتساءلوا لماذا يفعل ذلك، ولم يرتابوا في أمره وفي بواعثه، بل وجدوه صديقاً صدوقاً لهم.
لم يكن لورانس صديقاً صدوقاً للعرب، كان ممثلاً أميناً للإمبراطورية المتطلعة لوراثة العثمانيين، الذين ضاق العرب بتعسفهم واستبدادهم، وكانوا يستعجلون الخلاص منهم، وهو في ذلك لم يكن أكثر مما وصفه رجل البادية الأردني «مجرد رجل ديناميت»، لكنه يملك من الدهاء والخبث ما جعله يعطي نفسه، في أعين العرب، صورة أكبر من حجمه، وهذا ما حمل ونستون تشرشل على القول عنه: «لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسّه إليه».
وحكى تشرشل عن غداء جمعه مع لورانس بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فهو لم يلتقه قبل ذلك. لقاء الغداء لم يتم في لندن إنما في باريس التي أتاها تشرشل، وكان يومها وزيراً للحربية، لحضور ما وصف ب«اجتماع صانعي السلام»، أي أولئك المنتصرون في الحرب، التي انتهت بخذلان العرب ونكوص بريطانيا عن وعودها إليهم.
ويزعم تشرشل أنه لم يكن يعرف الكثير عن دور الثورة العربية في الصحراء في حملة «أللنبي»، لذا نصحه أحدهم بأن يلتقي لورانس الذي وصفه ب«الشاب العجيب، فأعماله الباهرة ملحمة رائعة».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"