عادي

«.. بَلَى قَـادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَـوِّيَ بَنـَانَهُ»

21:48 مساء
قراءة 5 دقائق
1

 يقول الله عز وجل‮: «‬أَيَحْسَبُ‮ ‬الْإِنْسَانُ‮ ‬أَلَّنْ‮ ‬نَجْمَعَ‮ ‬عِظَامَهُ‮ ‬بَلَى قَادِرِينَ‮ ‬عَلَى أَنْ‮ ‬نُسَوِّيَ‮ ‬بَنَانَهُ‮»، (‬القيامة‮: ٣-٤)‬.
‮إنه تحد هائل ‬من رب العالمين‮ ‬بتعبير قرآني يؤكد القدرة المطلقة للخالق العظيم (أ‮‬يحسب الإنسان أن الله تعالى ليس بقادر على أن‮ ‬يحيي الموتى وأنه ليس بقادر على أن‮ ‬ينشر عظامه وهي رميم وأنه‮ ‬غير مبعوث‮) بلى؛ بل وأكثر من ذلك كله إنه لمعاد إنساناً في صورته نفسها بكل تفاصيل جسده التي‮ ‬يعرفها‮ ‬والتي‮ ‬يتميز بها عمن سواه بوجهه الذي‮ ‬يميزه عن باقي الوجوه وبصوته الذي‮ ‬يفرقه عن كل الأصوات‮، ‬وبتفاصيل‮ ‬يده التي‮ ‬يعرفها حق المعرفة‮.. ‬وهي كلها معجزات كانت واضحه للناس في زمن التنزيل إلى اليوم، فالله يعيد الإنسان بجسده‮ ‬مثلما كان بكل تفاصيله‮ ‬ولكن الآية الكريمة فوق كل ذلك تخص إعجازاً آخر‮.. لم يعرف من قبل.. إنه بصمة البنان‮ ‬أو بصمة الأصابع التي‮ ‬يتميز بها الإنسان‮ ‬عن كل إنسان سواه‮؛ ‬إذ إن الله تعالى ليس بقادر على إعادة خلق الإنسان وحسب؛ بل إنه قادر أيضاً على تسوية‮ ‬بنانه الذي‮ ‬يتفرد به عن الناس أجمعين‮.

‬فإن في إعادة‮ ‬خلق البنان مثلما كان وعلى تعقيده البالغ‮ ‬لمعجزة باهرة‮؛ ‬إذ إن بصمة الأصبع ليست واحدة عند كل الناس؛ بل إن لكل منهم بصمة خاصة به ولا شك أن اختلاف البصمات وتميزها في كل إنسان عن الناس أجمعين هو منتهى الإعجاز وهو ما تشير إليه الآية‮.. ‬وهي إشارة إلهية لحقيقة‮ ‬غابت عن الناس ولم تكتشف إلا منذ قرابة ‬مئة عام.
شيفرة بالغة التعقيد
‮‬يقول د‮. ‬داود سلمان في كتابه «أسرار خلق الإنسان»: «هذه المعجزات التي هي بعدد بصمات الناس أجمعين» هي بعض ما قد بشر به الناس وأنذروا في قوله‮: «‬سَنُرِيهِمْ‮ ‬آيَاتِنَا فِي‮ ‬الْآفَاقِ‮ ‬وَفِي‮ ‬أَنْفُسِهِمْ‮»، (فصلت‮: ٣٥)‬.
‮وبصمة أصابع الإنسان رسم معقد جداً من الخطوط المنحنية وهي في شكلها وفي أعداد خطوطها وانحناءاتها والمسافات بينها آية إلهية. ‬فهي دهاليز كثيرة تحار في منحنياتها العيون‮.‬
‮ولا توجد صورة‮ ‬في الطبيعة مما تراه العين تبدو أعقد منها فهي أشبه بشيفرة بالغة الدقة والتعقيد، ‬ومن هذه الخطوط صنعت آلاف الملايين من الشيفرات التي لا‮ ‬يشابه بعضها بعضا‮ً ‬أبدا‮ً. ولو بحثنا في كل معاجم اللغة عن تعبير‮ ‬يدل على واقع الحال ما وجدنا أصدق من‮ «‬تسوية البنان‮» ‬قولاً دالاً عليه‮ا، ‬إنها آيات بقدر عدد هذه البصمات تدل على قدرة الخالق البارئ المصور في خلقه للناس وهم آلاف الملايين‮.‬
‮لم تتضح بصمة البنان بمعناها الكامل إلا في القرن التاسع عشر‮، ‬وقد احتار علماء وظائف الأعضاء في معرفة الغاية من هذه الخطوط والمنحنيات وتعددت آراؤهم حولها‮.‬
بحوث بريطانية
‮‬وبصمات الأصابع هي الطبعة التي تتركها هذه الأصابع عند لمسها لأي سطح مقروناً بالضغط عليه‮، ‬وقد نشر باحث بريطاني بحثاً عن هذه البصمات وقسمها إلى تسعة أصناف. ‬ثم بدأ استعمالها في تحديد هوية المساجين لدى الحكومة‮ ‬على‮ ‬يد هيرسكل عام ‮٠٦٨١. ‬ونشر بعدها بعشرين عاماً بحثاً حول نجاحه في استعمال بصمات الأصابع‮. ‬وجاءت من بعده بحوث مستفيضة، تؤكد بأنه لا توجد بصمتان متشابهتان لأصابع الناس‮.‬
‮‬ولكن الباحث الذي لمع في تاريخ بصمات الأصابع هو إدوارد هنري مفوض سكوتلاند‮يارد الجديدة‮. ‬فهو الذي أسس نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات، ‬وقد نشر بحثاً تحت مسمى‮ «‬تصنيف واستعمالات بصمات الأصابع‮» ‬عام ‮٤٩٨١ ‬وصار بعد ذلك النظام معروفاً باسمه وأدخل قيد الاستعمال في إنجلترا، ‬وهو‮ يقسم بصمات الأصابع إلى ثمانية أصناف، وفي خلال تسعين عاماً من تجميع وتصنيف بصمات الأصابع في العالم لم‮ ‬يُعثر على بصمتين متطابقتين قط‮، وبذلك ظلت بصمات الأصابع هي أمثل طريقة لتقرير هوية الإنسان‮.‬
‮ويتفق القضاة ورجال الشرطة على حقيقة‮ ‬أنه إذا كانت هناك بصمتان متطابقتان فإنهما تجيئان من الشخص نفسه؛ إذ لم‮ ‬يرد في سجلات الجريمة في العالم وحتى اليوم وجود بصمتين متطابقتين ما لم تجيئا من الأصبع نفسه‮.‬
ضد التقليد والمسح
‬ويمكن تشبيه البصمة بتوقيع لا‮ ‬يمكن تقليده أو تزييفه وعندما تم تسجيل بصمات أكثر من أحد عشر مليوناً‮ ‬من منتسبي‮ ‬الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية لم‮ ‬يعثر على شخصين لهما البصمة ذاتها‮. ‬وخبراء بصمات الأصابع لم ‬يختلفوا قط في آرائهم حول أية بصمة‮. ‬
‮ولا تتغير الخصائص الشخصية المتفردة أبداً مع تقدم العمر رغم أن الندوب قد تشوش عليها‮، ‬وأما محاولات مسح هذا الميسم‮ ‬بإحداث جروح عميقة فإنها لا تؤدي إلا إلى إضافة المزيد من التفاصيل إلى البصمة، ‬كما أن التغيرات التي تصيب الجلد وباقي الجسم بعد الوفاة قد تبقي على بصمات الأصابع مما‮ ‬يشكل عوناً كبيراً للتعرف إلى هوية الجثة‮.‬
‮ ‬والآية القرآنية الكريمة تتحدث أيضاً عن إعادة خلق بصمات الأصابع جميعها لا بصمة إصبع واحد؛ حيث‮ ‬يطلق البنان على الجمع وتطلق لفظة البنان أيضاً على أصابع القدم والتي هي الأخرى علم على صاحبها‮، ‬ومن هنا جاء التحدي العظيم لله تعالى في هذه الآية عن معجزة خلق الإنسان ومعجزة خلق بنانه‮ ‬متفرداً به وإعادة خلقه مثلما كان تماما‮ً.‬
البصمة الوراثية
‮‬ولما كان التعرف إلى الإنسان ببصمة البنان لا تتكرر وترى بالعين فهناك بصمة أخرى للإنسان لا ترى إلا بالمجهر ولا تحتاج للفحص عنها إلا لأثر ضئيل من قطرة دم قديمة أو خلية واحدة لنسيج فانٍ أو عظام نخرة‮؛ وهي البصمة الوراثية‮ ‬والتي تدل عليها الآية الكريمة‮: «‬يَخْرُجُ‮ ‬مِنْ‮ ‬بَيْنِ‮ ‬الصُّلْبِ‮ ‬وَالتَّرَائِبِ‮ ‬إِنَّهُ‮ ‬عَلَى رَجْعِهِ‮ ‬لَقَادِرٌ‮»، (‬الطارق‮: ٧-٨)‬.
‮‬والبصمة الوراثية‮ (‬الحامض النووي) ‬الموجودة في الجينات ورمزها المختصر (DAN) هي بقايا صغيرة لا تكاد تذكر لأناس ماتوا من آلاف السنين من الخلية الواحدة من بقايا الإنسان تحوي كل مواصفاته الشخصية‮. ‬وهي بعض مما هو محمول على خمسين ألف جين في ستة وأربعين كروموسوما‮ً. ‬
‮والشيفرة الوراثية هي التي تميز كل إنسان عن‮ ‬غيره، وتساعد في تحديد هويته، وتعتبر أقوى من بصمة البنان المطبوعة على‮ ‬يده‮.‬
‮ولا‮ ‬يختلف إنسان عن آخر في جوهره الذي‮ ‬يتكون منه فيطبعه بخصائصه التي‮ ‬ينفرد بها عن‮ ‬غيره إلا بالعوامل الوراثية‮.‬
‮إنها معجزة‮ (‬كروموسومات‮) ‬أو الصلب والترائب وهي شيفرته في الجوهر مطبوعة في داخل نواة كل خليهة ‬وإن الجينات التي بها هي المسؤولة عن تكاثر الإنسان ووراثة صفاته‮.‬
‮ويمكن للبصمة الوراثية تحديد درجة القرابة من أي شخص من بنوة وغيرها وهو ما لا تقدر عليه بصمة البنان‮.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"