ألغاز الشرق

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. نورة المزروعي

مرت الحضارات بفترة من الانحطاط، والذي نتج عن عدة أسباب بيئية وسياسية واقتصادية وعوامل لها علاقة بقانون الإيقاع الكوني، فكل صعود وارتقاء يعقبه حتماً سقوط وانهيار.

 لقد سقطت بغداد حاضرة الخلافة العباسية عام 1258 أثر الهجمات المغولية بقيادة هولاكو. في مثل تلك المراحل سادت فترة زمنية مظلمة كانت خلالها العلوم والمعارف بأنواعها تتعرض للقمع والتدمير والنهب. كانت اللوائح تُحطم والمخطوطات والكتب تُحرق وتُسرق والنصب التذكارية تدمر، وكانت الآثار والفنون تتعرض للسرقة والنهب، وتعرض كل رمز يعبر عن عظمة الحضارات السابقة كان يٌطمس، و لم يتبقى لنا سوى بعض المباني والقصور والرسومات والنقوش والنحت على الجداريات والمدافن والتي تحمل دليلا على انتعاش الحضارات السابقه لعصور اندثرت. 

لاتزال تقبع هنا وهناك بعض الصروح الحجرية عصية على الزوال و صمدت عبر العصور مثل قلعة «بعلبك» و«أهرام الجيزة» و «التماثيل العملاقة» في جزيرة «إيستر» النائية حيث مثلت دلائل واضحة على الفنون والعلوم الضائعة لتلك الأعراق البشرية المندثرة، وكانت في حكم ألغاز للعلماء والباحثين والبعثات الأثرية المعاصرة، ومن أهم الألغاز أسرار بناء «الأهرامات» وعدم القدرة على استيعاب أبعاد الهيروغليفية و المسمارية و حل رموزها وفهم معانيها الحقيقة، وكان لفك رموزها في العصر الحديث الأثر البالغ في الوصول إلى معرفة دقيقة بعلوم ومعارف مصر القديمة وبلاد الرافدين. 

إن ما تبقى من آثار تاريخية لفنون الشرق نجد جله في المتاحف الأوروبية، فعلى سبيل المثال متحف «بيرغامون» أحد أهم المتاحف العامة في ألمانيا وفي أوروبا بشكل عام، يضم آثاراً تاريخية، وفنوناً من عدّة حضارات يعود أقدمها إلى ما يقرب من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، و فيها قسم يتعلق بحضارة بلاد الرافدين يحتوي على جزء خاص ببوابة عشتار العريقة، وآخر للفنون المصرية القديمة، إضافة إلى فن الرسومات والكتابات المسمارية فوق ألواح الطين والحجر والشمع والمعادن، دونت عليها الآداب والأساطير والطقوس الدينية. وتعتبر من أقدم الآثار في العالم. 

واليوم، إذا أجريت مقارنة بين عظمة الانجازات الفكرية والهندسة المعمارية وفنون النحت والنقش والعمارة في تلك الحضارات مع ما أنجزته الحضارة المعاصرة تدرك مباشرة أن حضارتنا لم ترق أوتقترب من مستوى أسلافنا. الأمر ذاته ينطبق على بقية العلوم والمعارف والاختراعات، وكذلك على وعي الإنسان العصري الذى لا يشبه فكره وعلمه ذلك الكائن البشري الذي عاش قبل آلاف السنين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"