سوريا والمسارات الخاطئة

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

أسوأ ما تحصده السياسة من نتائج هو ما يزرعه الوهم، ويمكن القول بعد مرور عشر سنوات على الحدث السوري إن مسار الأحداث قادته أوهام كبيرة وكثيرة، من دون أن تقدم الأطراف المحلية المنخرطة في الصراع أي نقد جدي للأسس التي قامت عليها سياساتها وخياراتها؛ بل إنها لا تزال مستمرة على الوتيرة ذاتها في متابعة مساراتها الخاطئة، وكأن الوقائع والمؤشرات والأرقام تنتمي إلى بلد آخر، غير ذلك الذي تصارع فوقه السوريون، والذي يخضع اليوم لاحتلالات إقليمية ودولية، وفقدت فيه القوى المحلية القدرة على اتخاذ قرارات سيادية.

الواقع المعيشي للسوريين الموجودين تحت سلطات الأمر الواقع التي تتقاسم النفوذ على الجغرافيا السورية، هو واقع مأساوي بالمعنى المباشر، من دون الحاجة إلى إضافة أي مجازات، فخلال العقد الماضي تراجعت قيمة العملة الوطنية نحو 80 ضعفاً، وهي مرشحة للانخفاض أكثر، فالتضخم الحاصل، أسوة بأي تضخم اقتصادي، لا يمكن حله إلا عبر خيارين، الأول هو تفعيل الاقتصاد الوطني، الذي يحتاج إلى عوامل ليست موجودة في الواقع، فالاحتياطات النقدية تبخّرت في أتون المعارك، والخيار الثاني هو الاقتراض من الخارج، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، فالاقتراض بعد الحروب من البنوك الإقليمية أو الدولية يحتاج إلى ضمانات، في مقدمتها حدوث استقرار سياسي، وهما أمران لا يزالان بعيدين.

 بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ما عدا الأوضاع الكارثية التي يعيشها اللاجئون والنازحون، وعلى الرغم من هول هذه الأرقام إلا أن النخب السورية التي تمسك بزمام الأمور في النظام والمعارضة تبدو غير معنية بهذه الأوضاع المهينة، فهي منذ بيان جنيف1 تمضي من تفاوض إلى آخر من دون أن تحرز أي تقدم، ولقد أظهرت الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، أن المسافة لا تزال بعيدة بين الأطراف المشاركة، وقد أعرب المبعوث الأممي غير بيدرسون، عن تشاؤمه من استمرار مسار عمل اللجنة على وتيرته غير المنتجة، من دون أي يقدم أي تصوّر عملي للخروج من المأزق الراهن، ويبدو عجز بيدرسون طبيعياً ومفهوماً، فاجتماعات المشاركين تراوح في مكانها، ولكل وفد أجندته ورؤيته.

 إذا كان النظام السياسي السوري قد عوّل على دعم الحلفاء، فإن هذا التعويل قد أصبحت نتائجه واضحة، فروسيا وإيران هما القوتان الأكثر تأثيراً في قراراته، وإذا كانت المعارضة الرسمية قد عوّلت على حلفائها، فإنها هي الأخرى فقدت استقلالية قراراتها، ونتائج اليوم كان يمكن توقعها منذ منتصف عام 2012 على الأقل، خصوصاً أن العديد من التجارب الإقليمية وغيرها تقول إن تدويل الأزمات الوطنية يضعف الأطراف المحلية جميعها، ومع ذلك، فقد استمرّت الأطراف المحلية باستدعاء الخارج إلى أن أصبح الوطن السوري مساحة مستباحة للاحتلالات غير الراغبة في أي حل سياسي، لأنه سيكون مقدمة لتقليص نفوذها.

مسارات جنيف وأستانة وسوتشي و«الدستورية» لم يكن مقدراً لها أن تصل لحل وطني، لأنها انطلقت من فرضيات خاطئة، ومن تثمين التكتيكي على الاستراتيجي، حتى أن مآلات تلك المسارات تشي بغياب البعد الاستراتيجي نفسه، فإذا كان الصراع هدفه السلطة، فإن السلطة لا يعود لها أي معنى في ظل انهيار الدولة والمجتمع، والحالة السورية دخلت منذ سنوات في حالة تداعي مستمر للدولة والمجتمع؛ إذ تكفي نظرة إلى الخريطة السورية لإدراك المدى الذي وصلت إليه حالة نقص سيادة الدولة.

 وفي المناطق الخاضعة للنظام، بدأت الحملة الانتخابية على منصب الرئاسة، في الوقت الذي شددت فيه أطراف دولية عديدة، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي، على أن الانتخابات في حال حدوثها ستكون خروجاً صريحاً عن النص الأممي 2254، الذي حدد عدداً من الشروط للانتخابات، منها الوصول إلى تسوية سياسية، وكتابة دستور جديد تجري الانتخابات وفقه، ووجود إشراف أممي لضمان نزاهة الانتخابات، وضمان أوسع مشاركة للمواطنين السوريين داخل سوريا وخارجها، في ضوء وجود ملايين السوريين اللاجئين في العالم، ما يجعل من الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية محطة من محطات التأسيس لسلم مستدام.

لا تظهر اللوحة السورية، وما يحيط بها، أية إشارات إلى بروز ما يوقف تحكّم المسارات الخاطئة بمصير السوريين، ومستقبل بلادهم، وهو ما يعني أن المأساة ستبقى مستمرة، لكنها ستغير عناوينها، فالذي لم تتمكن الحرب من تدميره كلياً سيجهز عليه الانهيار الاقتصادي والفقر والجوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"