الأزمة الأفغانية في موسكو

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

صادق ناشر

يتنافس الكبار من أجل الحضور في أفغانستان، الدولة التي شكلت أساس التدخل الأمريكي الهائل في آسيا، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، إثر الهجوم الذي نفذه تنظيم «القاعدة» في نيويورك.

أول أمس الخميس انطلقت في العاصمة الروسية موسكو، مفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان»، لتعيد بذلك تنشيط المحادثات التي توقفت لفترة، خاصة أن المفاوضات بين الأطراف الأفغانية كانت تهدف إلى ترتيب البيت الداخلي، بعد الاتفاقية التي وقعتها «طالبان» مع الولايات المتحدة، وقضت بانسحاب الجيش الأمريكي من البلاد تدريجياً، غير أن قرار الرئيس الجديد جو بايدن بالتريث والحديث عن إعادة النظر في الاتفاقية، ألقى بظلاله على الأوضاع برمتها.

المفاوضات السابقة بين الأطراف الأفغانية أنجزت قضايا عدة، من بينها تقاسم السلطات وآلية الحكم، فبينما تطالب الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بأن تعلن الحركة رغبتها في دولة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، فإن الحركة ترغب في أن يكون طابع الدولة إسلامياً بحتاً، ما يعني العودة إلى حكم «طالبان» بمسمى آخر، وهو ما ترفضه القوى في السلطة، وخارجها.

كان من اللافت أن انطلاق المفاوضات في موسكو تزامن مع رغبة روسيا في إيجاد موطئ قدم لها في البلاد التي خسرت كثيراً من رجالها في الحرب الأفغانية، خاصة في فترة الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والغربي، كما أن استضافة المفاوضات في موسكو في ظل أزمتها الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يشير إلى أن حدة الاستقطاب في أفغانستان ستكون كبيرة. فالحضور الروسي في مختلف دول العالم لم يعد خافياً، وموسكو تريد أن تستعيد أمجاد الاتحاد السوفييتي، ولا تريد أن تخسر جبهات ساخنة أو تُبقيها في يد طرف عالمي واحد هو الولايات المتحدة.

سيكون المتحاورون في روسيا ملزمين بالبحث عن خطوط عريضة لاتفاق سلام في بلد ينتمي الملايين من سكانه إلى عرقيات وثقافات مختلفة، ما يفرض على الجميع البحث في ما يوحد هذا التنوع تحت سقف واحد، وعلى الجميع التأسي بتجربة رواندا الإفريقية التي قتل فيها مئات الآلاف من قبيلتي الهوتو والتوتسي، قبل أن يتناسى الجميع الحروب وعقلية الثأر، ويبدأوا ببناء دولة تعتمد على العدل والمساواة.

المطلوب اليوم هو إعلان الجميع وقف الحروب والتصفيات ونبذ محاولة فرض النموذج الذي يجب أن تكون عليه هوية الدولة القادمة، فهذا الأمر تقرره المفاوضات التي يجب أن تنطلق من المصلحة العليا لأفغانستان، التي عانت كثيراً جراء الصراعات الدامية طوال العقود الماضية.

ومع أن مثل هذه المطالب تبدو مطروحة على طاولة الحوار، إلا أن طريقة التعاطي معها تبدو مختلفة، نظراً لانقسام الدول الكبرى حيال مستقبل أفغانستان، ودخول روسيا في جوهر الأزمة الأفغانية، يمكن أن يغير موازين القوى على الأرض. فموسكو ترغب في تجميد مساعي واشنطن للسيطرة على بؤر التوتر في العالم، وتريد أن يكون حضورها لا يقل عن الحضور الأمريكي، إن لم يتجاوزه، سواء كان في أفغانستان أو في أي بلد آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"