لبنان يصرخ والعالم يصم آذانه

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

صرخات اللبنانيين ارتفعت حتى وصلت إلى أطراف الأرض، ولأننا نعيش في عالم لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا إذا أراد، فقد سد آذانه ولَم تحركه هذه الصرخات، ويبدو أن الكبار لا يريدون للبنان وشعبه سوى لعبة يتسلون بها وقتما يشاؤون ويتصارعون عليها حين يريدون، ويضربون بها بعضهم بعضاً حين يختلفون. 

  لبنان الذي يدير العالم له ظهره اليوم، كان بالأمس مقصد الكثيرين ومبتغاهم وهدفهم، كان وطن عشاق الحياة وأرض الأمان لثروات الراغبين، وبلد الفن والإلهام للشعراء والمبدعين، ولكن الوضع اليوم اختلف، وأصبح لبنان هو الشد والجذب، والعتمة والفقر،والحاجة والخوف وضياع الثروة. 

  الذين قادوه إلى الانهيار هم حفنة من أبنائه، ولكنهم الأبناء الضالون الذين أعمتهم الأطماع السياسية، وقادتهم الأنانية الطائفية، وتحكمت فيهم الأطراف الخارجية التي لا تريد لهذا الوطن سوى أن يكون ما هو عليه الآن، لا ميت ولا حي، غارق في آلامه وأوجاعه، وغير قادر على أن يصلب طوله، مشغول بخلافاته ومعدوم التأثير إقليمياً ودولياً. 

  اللبنانيون يدركون جيداً أن الوطن يكاد يضيع، وأن الدولة على حافة السقوط وعلى أبواب الفوضى، وأن الانهيار أصبح واقعاً؛ لذا فإن صرخاتهم ارتفعت، وكبار الكون لا يتحركون ولا يحركون ساكناً. 

 تصريحات رؤساء أو وزراء هذه الدولة أو تلك لم تعد لها قيمة، وأيضاً نصائح المسؤولين الأممين أصبحت بلا جدوى، لأن الكلام في الشأن اللبناني فقد معناه بعد أن أصم سياسيوه آذانهم، ولا يستمعون إلا إلى أصوات من يديرونهم من الخارج. أصبحت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، ولا أمل يرتجى ممن وصلت قسوته على بنيه وأهله وذويه إلى هذا الحد. 

 أمراء الطوائف في لبنان والتابعون لهم ارتضوا أن يروا بأم أعينهم عملتهم الوطنية تفقد أكثر من 90 في المئة من قيمتها والقليل المتبقي على الطريق، وارتضوا أن يسعى للهجرة خيرة رجالها وأكفائها من ذوي الخبرة، بعد أن أصبح الهروب لا يقتصر على الشباب فقط، ولكن الكبار أيضاً، وأن تغرق بلادهم في عتمة الكهرباء ومستنقع القرار وظلام الجشع، وأن تتناقل المحطات التلفزيونية ووكالات الأنباء العالمية أخبار مشاجرات على علبة حليب أطفال أو ربطة خبز أو علبة دواء؛ ارتضوا ذلك وغيره الكثير، وهم جالسون يتنازعون ويتصارعون على مقعد وزاري، أو يضعون العصي في الدواليب، لتعطيل تشكيل حكومة منتظرة منذ أشهر بعد إجبار وزارة دياب على الاستقالة عقب الانفجار المرعب في ميناء بيروت في أغسطس الماضي، والذي زلزل لبنان وهز أطراف العالم غضباً، ولكنه لم يحرك ساكناً لدى أطراف السلطة اللبنانية والمتحكمين فيهم. 

  كثيرون رأوا في الانفجار الكارثة فرصة لأن يتخذ العالم موقفاً حاسماً وإجراءات لإنقاذ البلد، ووجدوا فيه المصيبة التي يخجل منها ومن نتائجها وتوابعها أهل السلطة، فيتنازلون عن عروشهم لمن يستطيع أن يقود ويضع حلولاً لأزمات الوطن، ولكنهم ازدادوا تشبثاً بمواقعهم وتعنتاً في قراراتهم. وبدلاً من أن تكون استقالة الحكومة هي المنطلق للتغيير والإنقاذ، جاءت وكأن شيئاً لم يكن ولَم تغير في الواقع شيئاً، بعد أن ظلت وستظل إلى أجل غير معلوم تتولى تصريف الأعمال، وهذه ليست السابقة الأولى، فقد انتظر الناس أن تكون استقالة الحكومة السابقة تحت ضغط تظاهرات 17 أكتوبر 2019 المنطلق لدولة جديدة، ولكن أمام إرادة أهل السلطة وداعميهم في الخارج، اتضح أن لبنان الجديد العابر للطائفية لن يكون سوى أضغاث أحلام.

 خلال السنوات الأخيرة أصبح معتاداً أن تجد في لبنان رئيسين للوزراء، أحدهما مُكلف ومُعطل عن التأليف، والثاني يُصرف الأعمال، ولكنه ممنوع من التخطيط ووضع الاستراتيجيات، في وقت هو في أمس الحاجة لاستراتيجية إنقاذ وخطط، لوقف النزف الاقتصادي والاجتماعي؛ وكلاهما صورة عن حال لبنان، الذي يزداد شللاً . 

  المطالبة بمؤتمر دولي حول لبنان، لم تأت إلا بعد فقدان الأمل في أي حل من الداخل، وبعد اليقين بأن ساسة اليوم لن يتنازلوا لأجل وطنهم عن كراسيهم وأطماعهم، وكل منهم مستعد للبقاء في موقعه حتى ينتحر الشعب جماعياً ويتشاركون الرقصة الأخيرة على جثة وطن، كان مصدراً للطاقة الإيجابية في محيطه وفي العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"