عادي
في قصيدته «العضيد»..

محمد بن راشد يودع الشيخ حمدان بقوافي القلب

19:23 مساء
قراءة 5 دقائق
محمد بن راشد وحمدان

دبي: «الخليج»
يصعب الكلام عند الفقد، فتصبح الحروف عصية، خاصة عندما يكون الفقيد من أقرب الأقربين، لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يطوع خيول القصيد العنيدة، ويتخير من الكلمات ما يليق بجلال الحدث، ليستودع حزنه ووجعه في فقيده وفقيد الوطن أخيه المغفور له بإذن الله، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، في قصيدة تدمي القلوب، فقد جاءت متدفقة كشلال من المشاعر الإنسانية النبيلة، وسيل من الأحزان، بحسٍ شعري نابع من القلب يصور صدمة الفراق، فهي قصيدة تحمل معاني الوفاء والنبل، ويتجول الحزن بين متونها وحواشيها، وفي ذات الوقت تتجمل بالمدح وقوة الوصف في إظهار شمائل الراحل الكبير.
يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:
الـعـضيد الـلـي إلـى الـعليا إرتـحلْ
                أشـهدْ أنـهْ كـانْ لـي نـعمْ الـعضيدْ
عــنـه أدري مـابـحـصل لــي بِــدَلْ
                     صـاحـبْ الــراي الـمنقَّى والـسِّديدٌ
فــي تـدابـيره مـاتـلقى لــهْ خَـلَـلْ
                       حـسـن تـدبـيرهْ إذا تَـشـكِلْ أكـيـدْ
مستهل بديع، يصف فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أخيه بكلمة اجتمعت فيها الكثير من المعاني، وهي «العضيد»، والتي تعني في اللغة الصديق الوفي أو الخليل، وهي من عضد، والعضد المنطقة ما بين المرفق والكتف وتتصف بالقوة، بالتالي فإن الكلمة تحيلنا إلى قوة العلاقة والصداقة والأخوة بين سموه وأخيه الراحل، فقد كان مكمن سر ومحل ثقة لا تحدها حدود، ثم يكرر سموه الكلمة مرة أخرى في عجز البيت، دلالة على تأكيد ما كان بينهما، إضافة إلى أن التكرار يخلق حالة جمالية، فالراحل له مكانته الخاصة التي لا يحل فيها غيره، فقد كان صاحب رأي ومنطق قوي، يحسن التدبير في المواقف دون خلل أو ذلل، وذلك يدل على مكانة سامية للراحل في قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فلم يكن مجرد أخ ؛ بل رفيق درب وصاحب وفي وخليل يستأنس برأيه ورجاحة عقله.
دفق شعوري
ينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعد ذلك، ليصف وقع خبر وفاة أخيه عليه، وعلى الوطن، والعرب جميعاً، فقد اهتزت من هوله كواكب السماء، وكادت الأرض أن تميد برحيله، ثم يتساءل سموه في دفق شعوري عاطفي يلامس شغاف القلوب عن الرحيل الباكر، مشبهاً أخيه بالنجم الذي غاب، وما أعجل الدنيا، وما أسرع المنية وساعة الرحيل، ولكأن سموه في هذا البيت، يتلفت بقلبه، ويستدعي ذاكرة حملت الكثير من التفاصيل بين أخوين تربيا وترعرعا معاً، وجمعتهما أوصر المحبة، ولا شك أنها لحظة صعبة على النفس، ثم إن سموه ليصف أخيه بأجمل الصفات عندما ناداه بالقرم، وهو لقب يطلق على الرجل الشجاع طيب الأفعال والأقوال، وهو ما يؤكده سموه في البيت الذي يليه، عندما يعدد أفعاله الحسنة التي تشهد له، وأقواله الطيبة، وغيرها من الصفات الجميلة التي يشهد بها الجميع، فقد أدى دوره في الوطن وقام به خير قيام، فكان من الوطنيين الأخيار، الذي قدموا لبلادهم وبذلوا كل ما يملكون، فصارت أعماله بصمة لا تمحى؛ بل تخلد عبر الأزمان، يتناقلها جيل بعد جيل، تحكي عنه وعن بطولاته وعزمه وقوته ومنعته، فبمثله تنهض الدول وتزدهر وتتقدم الصفوف.
الــخـبِـرْ هــــزَّ الـثِّـريَّـا مـــنْ نـــزَلْ
                     وكـــادتْ الأرضْ بـأهـلها لــهْ تِـمـيدْ
كــيـفْ عــنَّـا تـسـيـرْ يـانـجمٍ إفَــلْ
                    مـا شـبِعنا مـنكْ يـا الـقَرمْ الـرِّشيدْ
عـشـتْ يـاحـمدانْ مـنِّـكْ مـاحـصَلْ
                    غِـيـرْ فـعـلْ الـخيرْ والـرَّايْ الـسِّديدْ
تـشـهَـدْ الـدُّولِـهْ بــأنْ دوركْ كِـمَـلْ
                  بـصمتِكْ مـا تـنمحى وفـعلكْ حِميدْ
بــكْ وبـأمـثالكْ تــرىَ تـقـومْ الـدِّوَلْ
                  بـالـرِّجـالْ الــلِّـي إرادتــهـمْ حـديـدْ.
شمائل فريدة
وتطرق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى خصوصية علاقة الأخوة، فأجمل وأنبل العلاقات الإنسانية تلك التي تكون بين المرء وأخيه، فقد كان الراحل الفقيد نعم الأخ؛ بل ومضرباً للمثل بشمائله الفريدة وحسن أخلاقه الرفيعة، وتلك الشمائل والأعمال هي خير زاد يحمله وهو يحل ضيفاً على رب غفور رحيم، ليكون ـ بإذن الله ـ في منزلة الشهداء والصديقين، ثم يعود سموه ليعدد تلك الصفات العظيمة للراحل، فقد اتسم بالصدق وعلو النفس في الأقوال والأفعال، ووضوح الرأي والتمسك بكلمة واحدة، وتلك صفة تشير إلى قوة الشخصية والحكمة في ذات الوقت، فقد كان الراحل من الذين يثبتون أقوالهم بالفعل، وسار في طريق الحق فلم يحد عنه ولم يتوان عن خدمة أهله ووطنه، فهو قد اكتسب المعالي والصفات النبيلة منذ الصغر توارثها من خير أهل، كان بهم باراً، وكان بمثابة الأمل لهم ولوطنه الكبير. ويفيض صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في الوصف ويبدع، فيذكر كيف أن أخيه كان محباً للخيل، وذلك أمر يشتركان فيه، فحب الخيل هي من صفات الفرسان والأبطال والشجعان، والراحل الكبير إلى جانب البطولة والشجاعة شهم وكريم، وذلك مما تفاخر به العرب، فقد جمع من الصفات الحسنة ما جعله سابق لعصره، وهو فوق ذلك صاحب ماض مجيد وعظيم، فهو من قوم ورثوا النبل والإقدام والكرم كابر عن كابر، ورضعوا من ثدي العروبة كل الصفات العظيمة والنبيلة، يقول سموه:
إنـتْ أخـويِهْ وكـنتْ بـكْ أضربْ مثَلْ
                      وكنتْ بكْ محظوظْ في الدِّنيا سعيدْ
فـــي ضـيـافةْ رَبْ غـفـرانِهْ شـمَـلْ
                      الـعـبادْ الـلِّـي لـهُـمْ أجــرْ الـشَّهيدْ
كـنـتْ صـادقْ فـي كـلامكْ والـفِعِلْ
                    كــنـتْ واضِـــحْ لا تـعـيـدْ ولا تــزيـدْ
كـلـمـتِكْ وحـــدِهْ وتـثـبِـتْ بـالـعِمَلْ
                فــي طـريـقْ الـحَقْ سـايِرْ مـاتحيدْ
كـــانْ فــيـكْ لــداركْ وأهـلِـكْ أمَــلْ
                 لـلـمعالي مـنْ صـغِرْ سـنِّكْ تـشيدْ
يـامـحِـبْ الـخـيـلْ يـاشـهـمٍ بَـطَـلْ
                   سـابـقٍ عـصرَهْ ولـهْ مـاضي مـجيدْ.
مرآة الروح
ومثلما كان مستهل القصيدة بديعا، ختمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ببيت قمة الروعة والجمال، فما بعد الموت إلا الذكرى الحسنة، والأفعال التي تخلد صاحبها إلى يوم القيامة، يوم لا تنفع فيه إلا الأعمال الصالحة التي يتركها الراحلون في الدنيا لتشهد لهم في دار البقاء والخلود.
ذكـــرك الـبـاقـي بــذكـرك نـحـتفل
                        وإسـمـك مـخـلد إلـى يـوم الـوعيد
لا شك أن الشعر هو مرآة الروح الصافية، وفي القصيدة يسكب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مشاعره قطرة فقطرة، لتأتي صادقة معبرة، وفيها يتسامى سموه فوق الأحزان والألم، من أجل أن يواسي غيره من الأهل وأبناء الوطن في الفقيد الكبير.

 

الصورة
قصيدة محمد بن راشد
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"