عادي
اسمه الممهور على عملة الدولة راسخ في وجدان الجميع

حمدان بن راشد.. مسيرة خير وعمل وطني مخلص

02:24 صباحا
قراءة 5 دقائق
حمدان بن راشد

ودعت دولة الإمارات العربية المتحدة، فقيدها المغفور له بإذن الله الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، وزير المالية الذي انتقل إلى جوار ربه صباح أمس، عن عمر ناهز 76 عاماً، سطر خلالها مسيرة حافلة بالعمل الوطني المخلص، والعطاء لأبناء شعبه والإنسانية جمعاء.
وواكب المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، مراحل تطور دولة الإمارات، وأسهم في بناء مسيرتها التنموية، إذ يعدّ، رحمه الله، أحد رواد وحدتها، وتأسيس حاضرها ومستقبلها، ورجل دولة ترك بصمة جلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية في الإمارات، وقد امتازت شخصيته بالحنكة والقيادة الاستثنائية في مجمل الأحداث والمناصب التي تقلدها طوال حياته.

ولد، طيب الله ثراه، عام 1945، وهو الابن الثاني للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وشغل منصب وزير المالية، منذ التشكيل الأول لمجلس الوزراء في 9 ديسمبر 1971 ولغاية وفاته. وعُرف عنه اهتمامه بالأعمال الإنسانية، وشغفه بالثقافة والآداب والتطورات العلمية، وحرصه على التنمية البشرية المستدامة، في بيئة عالمية مستقرة ترتكز على الحوار والشراكة.
وترأس عدداً من الهيئات والمؤسسات الحكومية الرفيعة التي تؤدي دوراً حيوياً في دعم الاقتصاد وسوق العمل في دولة الإمارات وفي إمارة دبي، ومن أهمها: بلدية دبي، وهيئة آل مكتوم الخيرية، ومركز دبي التجاري العالمي، وشركة الإمارات الوطنية للبترول، وشركة دبي للغاز الطبيعي، وشركة دبي للألمنيوم، وشركة الإمارات الوطنية للمنتجات النفطية، ومركز تجهيز حقول النفط.
وحصل الشيخ حمدان عام 2006، على 3 شهادات فخرية من الكلية الملكية البريطانية، هي الزمالة الفخرية للأمراض الباطنية بلندن، وللأمراض الباطنية بأدنبرة، وللأمراض الباطنية والجراحة بجلاسكو.
أيادي بيضاء
وعرف عن الراحل الكبير، تمتعه بنعمة العطاء ورعاية الإنسان، حيث كان، ولاسيما في المناطق الفقيرة والمهمّشة، وهو الأمر الذي دفع القمة السنوية للاتحاد الإفريقي في عام 2009، لتخصيص جلسة لتكريم هذا الرجل الاستثنائي، والاحتفاء بأياديه البيضاء، حيث حضر فيها خمسون رئيس دولة، توافدوا ليذكروا السيل الفياض من مكارمه في بلادهم، التي يسرت، بفضل الله، سبل الصحة والتعليم أمام عشرات الآلاف من الفقراء، وأتاحت تغييرات تاريخية اجتماعية وتعليمية واقتصادية.
ولم تقف أياديه البيضاء، عند حدود القارة الإفريقية، بل تجاوزتها إلى كل أصقاع الأرض؛ ففي أوروبا وأمريكا وأستراليا، دأب، رحمه الله، على تقديم الدعم للمسلمين الجدد والجاليات المسلمة، سواء بإعمار بيوت الله، وتوفير المصاحف والكتب والدورات التثقيفية والأئمة والخطباء، وتأسيس مدارس خاصة للجاليات، لتعليم أبنائها تعاليم الشريعة السمحة.
وتنوعت عطاياه، لتشمل إقامة القرى الخاصة بالأقليات المسلمة في آسيا، وتوفير التدفئة ومحطات الطاقة ورعاية ضحايا الكوارث الطبيعية والمهجرين، ودعم مدارسهم ومساجدهم، وتوفير منح دراسية عليا للمتفوقين منهم، فضلاً عن برامج الإغاثة ودعم الصائمين في رمضان وتفويج الحجاج.
خدمات طبية
وأمر، رحمه الله، بإقامة كثير من المشروعات في دول عربية عدة، تشمل الخدمات الطبية والصحية والتعليمية، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات، والمراكز الحرفية والمهنية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وحملات الإغاثة والمساعدات الإنسانية للأسر المحتاجة، وكفالة الأيتام ومشاريع إفطار الصائم، وأضاحي العيد والحقيبة المدرسية وغيرها.
ومحلياً، فإن المساعدات التي قدمتها «هيئة آل مكتوم الخيرية»، بقيادة المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، شكلت إضافة كبيرة للعمل الإنساني داخل الدولة، حيث طالت مساعداتها الأسر المتعففة، وكفالة الأيتام ومشاريع إفطار الصائمين، وتسيير حملات الحج والحقيبة المدرسية، ومراكز أصحاب الهمم وغيرها من الفئات والجهات.
تجربة فريدة
وللراحل الكبير تجربة فريدة في دعم التعليم على كل المستويات، عبر «جائزة حمدان للأداء التعليمي المتميز» التي انطلقت منذ عام 1998، وحتى اليوم، لتتحول بفضل دعم راعيها إلى أكثر جائزة تكافئ الإبداع التعليمي في العالم، خاصة بعد أن أطلق، رحمه الله «جائزة حمدان - اليونيسكو» العالمية، لمكافأة الممارسات والجهود المتميزة لتحسين أداء المعلمين.
وفي السياق نفسه، أسّس، طيب الله ثراه، في تنزانيا، في عام 2010، كلية آل مكتوم للهندسة والتكنولوجيا، حيث تضم تخصصات الهندسة الكهربائية والتكنولوجيا وتقنية المعلومات. كما بادر إلى تأسيس كلية آل مكتوم للدراسات الإسلامية والعربية باسكتلندا، التي تخرج الطلاب من دول عدّة في كثير من التخصصات.
رعاية الطفولة
وقدم دعماً سنوياً ثابتاً لجامعة إفريقيا العالمية، لدورها في التعليم العالي، واستقطاب الطلاب من خريجي مدارس الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في إفريقيا، ومنها السودان، كما يعدّ، رحمه الله، الداعم الرئيس لصندوق رعاية الطفولة الفلسطينية، الذي يتولى تقديم الخدمات الطبية والإنسانية لأطفال فلسطين، داخل فلسطين وخارجها.
وللراحل الكبير بصمات واضحة في دعم القطاع الصحي محلياً ودولياً، عبر «جائزة الشيخ حمدان بن راشد للعلوم الطبية» التي تعدّ إحدى أبرز الجوائز الطبية في العالم، إذ تسعى إلى تحفيز الطواقم الطبية، لتوفير أسمى الخدمات الطبية، بتكريم العلماء الذين يسهمون في الخدمات الطبية في جميع أنحاء العالم. كما تدعم البحث العلمي الطبي، وقد أثبتت نجاحاً باهراً بشهادة الخبراء والمختصين.

423

نمو مستدام
خمسة عقود صاغ خلالها الشيخ حمدان بن راشد، منظومة العمل المالي في الإمارات، وشارك في ترسيخ قواعد الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام لاقتصاد الدولة. فمنذ توليه منصبه وزيراً للمالية عام 1971، لدى تشكيل أول حكومة بعد إعلان الاتحاد لم يأل، رحمة الله عليه، جهداً في تحقيق أهداف الاستقرار والتطور والنمو، ونجح بسياسات حكيمة وبناءة في خروج الاقتصاد والقطاع المالي للإمارات بسلام من أصعب الأزمات العالمية. ما أسهم في وصول الإمارات إلى ما هي عليه اليوم من نمو وازدهار وقدرة على تجاوز أصعب التحديات بأقل الخسائر.
وعلى مدار الخمسين عاماً الماضية، تمكنت وزارة المالية بقيادة الشيخ حمدان، رحمه الله، من تحقيق الكثير من الإنجازات التي كرّست مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً، ورسخت قواعد الاقتصاد المحلي، ودعمت نمو القطاع المالي، ليصبح بين الأكبر والأكثر جدارة.
لقد حققت الوزارة، الكثير من الإنجازات والنتائج المتميزة في المؤشرات العالمية على مدى العقد الماضي، حيث إن جهودها المكثفة، وسعيها المتواصل لتحسين أدائها في الإدارة المالية والاقتصادية آتت ثمارها، ونجحت في تبوّؤ مراكز مرموقة، بفضل جهود فرق العمل وتفانيهم في أداء مسؤولياتهم.
وقد تلقى الشيخ حمدان، جوائز كثيرة على إنجازاته، ودوره المتميز وجهود الوزارة في توفير البيانات المتعلقة بالمساعدات والمنح، عبر مؤسسات التنمية الدولية وشراكة دوفيل.
إنجازات مهمة
وأكد، رحمه الله، في كلمته في آخر التقارير السنوية للوزارة عن عام 2019 ما تحقّق من إنجازات، قائلاً إن الدولة سجلت إنجازات مهمة في مسيرتها نحو بناء المستقبل الآمن، وضمان استدامة الموارد لأجيال الغد، مستندة إلى خطط استراتيجية تنموية حكيمة، تعمل على وضع وتنفيذ مسارات واضحة، لتحقيق نمو في كل القطاعات الحيوية اقتصادياً وبناء المهارات البشرية لإدارة المستقبل. وأشار إلى دور الوزارة قائلاً: إن منظومة العمل المالي الحكومي، تؤدي دوراً محورياً في إدارة الموارد المالية وتنويعها، وتطبيق مؤشرات الحوكمة والتخطيط الاستراتيجي، ورسم السياسات الحكيمة، وتوفير موازنات تتيح لجهات الحكومة تحقيق خططها الاستراتيجية لتحفيز قطاعات الأعمال ودفع عجلة التنمية المستدامة. وقال إن التقدم والتطور الذي يشهده الاقتصاد الكلي للدولة، يؤكد صوابية السياسات المالية والنقدية، حيث نفذت الدولة الكثير من الإصلاحات الهيكلية، وبذلت جهوداً جبارة للنهوض بآليات العمل المالي الحكومي، ورسم السياسات المالية وفق أفضل الممارسات العالمية المعتمدة، الأمر الذي يعزز بدوره من قوة الاقتصاد الوطني، ومن قدرة الدولة على مواصلة تسجيل معدلات نمو اقتصادية ومالية استثنائية.
وقال رحمة الله عليه: «استطاعت وزارة المالية وعلى مدار السنوات الماضية تأكيد كفاءتها في تأدية مهامها، بحفاظها على الاستقرار المالي للدولة، على الرغم من تحديات الاقتصاد العالمي والتوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، إذ تضاعف حجم الميزانية العامة للاتحاد لسنة 2019 ثلاث مرات مقارنة بالميزانية العامة للاتحاد لسنة 2005».
رحل الشيخ حمدان، لكن تبقى إنجازاته تتحدث عن رحلة عطاء لم تقف عند أي تحدّ على مدى 5 عقود. ويبقى اسمه، الممهورة به عملة الدولة، في قلوب أبناء شعبها وفي ذاكرتهم.
(وام)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"