السياسات المنعشة للاقتصاد العالمي

21:31 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

دخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق في عام 2020 لم يشهده العالم منذ الانهيار العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي العالمي (الدخل فيما بعد) بنسبة 3.5%. جاء هذا الانكماش محصلة انكماش دخل الاقتصادات المتقدمة بنسبة 4.9% وانكماش دخل الاقتصادات الصاعدة والنامية بنسبة 2.4%. جاء هذا التطور في عام 2020 نتيجة إغلاق الاقتصاد العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) التي اجتاحت العالم بأسره. وقد واجهت الحكومات الوطنية الجائحة بخطوات جريئة لإنقاذ الأرواح وإرساء أرضية صلبة للاقتصاد العالمي بحزم تحفيزية تقدر بنحو 12 تريليون دولار بإجراءات مالية وحوالي 7.5 تريليون دولار بإجراءات نقدية، أي ما يعادل نحو 23% من الدخل العالمي في عام 2020 البالغ 83.84 تريليون دولار.

وفي سياق مكافحة البلدان لجائحة كورونا، فإنها لا تزال ملتزمة بإنفاق كل ما يلزم لإنقاذ الأرواح وحماية الأفراد من فقدان الوظائف والدخل والحيلولة دون وقوع الشركات في حالات الإفلاس مع دعم القدرة على التعافي. في ضوء ذلك، يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة قوية قدرها 5.5% في عام 2021 محصلة نمو قوي في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 4.3% ونمو أقوى بنسبة 6.3% في الاقتصادات الصاعدة والنامية. ونذكر في هذا السياق أن الاقتصاد الأمريكي يتوقع أن ينمو بنسبة 5.1% في عام 2021 والاقتصاد الصيني بنسبة 8.1% والاقتصاد الهندي بنسبة 11.5% في أعقاب انكماش كبير بلغ 8% في الهند عام الجائحة 2020.

الانتعاش الاقتصادي العالمي المتوقع في عام 2021 هو محصلة سياسة مالية توسعية في عامي 2020 و2021 قائمة على ارتفاع النفقات الحكومية وعلى التحويلات المالية إلى الأسر ومساعدات إلى أصحاب العمل ومدفوعات البطالة. وتنعكس السياسة المالية التوسعية على مستوى العالم في ارتفاع عجز الموازنة من 3.9% من الدخل العالمي في عام 2019 إلى 12.7% في عام 2020 و7.6% في 2021. وتبين بيانات عجز الميزانية الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاع العجز من 6.3% إلى 18.7% بين 2019 و2020، وفي الصين ارتفع العجز من 6.3 في المئة إلى 11.9% من الدخل في العامين 2019 و2020 على التوالي. أدى العجز في الميزانيات الحكومية إلى ارتفاع إجمالي الدين العالمي من 83% من الدخل العالمي في عام 2019 إلى 98.7% في عام 2020. السياسة المالية التوسعية تؤدي إلى عجز في الميزانية الحكومية ويحتاج العجز إلى تمويل. ويمول العجز بالاقتراض من الأسواق المحلية أو الأسواق الدولية الأمر الذي يرفع مديونية الحكومة. ونذكر في هذا السياق أن الاقتراض الخارجي إذا كان متاحاً يضع قيوداً وتأثيراً في السياسات الاقتصادية الوطنية. نذكر هنا أن إجمالي دين الحكومة الأمريكية ارتفع من 108.7% من دخل الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2019 إلى 131.2% في عام 2020، وفي الصين ارتفع إجمالي الدين من 52.6% إلى 61.7% بين العامين 2019 و2020. جاء هذا التطور في ظل سياسة نقدية توسعية في معظم البلدان ساهمت في إنعاش الاقتصاد من خلال توفير السيولة التي تحتاج إليها النشاطات الاقتصادية والمحافظة على أسعار فائدة منخفضة. نذكر هنا أن أسعار الفائدة المنخفضة على مدار عقد من الزمن أدت إلى تراكم المخاطر المالية العالمية وارتفاع مستويات الدين الحكومي والخاص بالمقاييس التاريخية في معظم البلدان. ونذكر في هذا السياق أن أسعار الفائدة المنخفضة تجعل المقترضين أكثر عرضة للمخاطر في حالة ارتفاعها، كما أنها تتسبب في تآكل أرباح البنوك مما يعيق قدرتها على إقراض الأموال إلى شركات الأعمال حتى تتمكن من النمو.

يسأل المهتمون بشأن الانتعاش الاقتصادي عن سلوك المستهلكين الذين جمعوا الأموال من برامج التحفيز بسبب الإغلاق: ماذا سيفعل المستهلكون بالمال الذي جمعوه؟ هل ينفقونه دفعة واحدة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يتجاوز نمو دخل البلدان المتقدمة 10% في عام 2021، وهو رقم كبير لم يتحقق حتى في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وبالإضافة، من المحتمل أيضاً أن يولد إنفاق كل الأموال التي جمعوها ارتفاعاً في التضخم.

* مدير معهد السياسات الاقتصادية بصندوق النقد العربي سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"