التنمية وإدارة الأزمات.. الإمارات نموذجاً

00:53 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د. عبدالله السويجي

لا يستطيع أحد، فرد أو دولة، تجنّب الأزمات، فهي باقية ما بقي الإنسان على وجه الأرض، بل إنها توأمه في الحياة،. وبعض الأزمات من صنع الإنسان، كالصراعات والاقتتال والحروب وموجات الكساد، وبعضها من صنع الطبيعة، مثل الفيضانات والزلازل والبراكين والأوبئة. 

  وقد يستطيع الإنسان مواجهة النوعين بنسب مختلفة، ونجاحات متباينة. فهو يستطيع، إذا ما تمكن من إدارة الأزمات التي يخترعها، بإخلاص ونوايا حسنة أن يحقّق نجاحات مذهلة ومستدامة، كما أن بمقدوره، إذا ما أعد العدة، وقام بدراسات علمية وطوبوغرافية لسطح الأرض وفضائها، أن يتجنّب الأضرار الهائلة للكوارث الطبيعية، وأن يخرج منها بأقل الخسائر، وما عليه، في كلتا الحالتين، إلا أن يضع استراتيجيات محكمة وينفذها بإتقان؛ من خلال استراتيجيات لإدارة الأزمات وفق خطط علمية مدروسة، تتسم بالجدية، واستخدام العلم كفيل بأن يصنع المعجزات، على الصعيد الإنساني أو الطبيعي.

 ولا أبالغ إذا قلت، إن الأزمات التي يخلقها الإنسان بنفسه، أخطر وأشد وأكثر تدميراً من الأزمات التي تتسبب بها الطبيعة، فالحروب التي خاضها على مر العصور حصدت وجرحت وأعاقت وهجّرت مئات الملايين من البشر، ودمرت مئات المدن، وأحرقت مئات الملايين من الأشجار، ولوّثت بحيرات وأنهاراً وبحاراً، وتسببت بالقضاء على خصوبة مساحات شاسعة من الأراضي تكفي لسد جوع قارة بأكملها.

 وإذا ما قارنا خسائر الكوارث التي تسبب بها الإنسان مع خسائر الكوارث الطبيعية، لوجدنا أن الطبيعة أرحم وأرق وأرحم من الإنسان، وهذا ما عنيناه في حديثنا عن المقدرة على تجنّب الخسائر والأضرار، وهي بحوزة عقل الإنسان ونواياه، فإن شاء أوقف تدمير ذاته بذاته وتجنّب حتى الكوارث الطبيعية، وإن شاء ترك لرعونته العنان فلن يرحم نفسه ولن ترحمه الطبيعة، والأمران يسيران في خط موازٍ.

  ولو أردنا ذكر أمثلة على إدارة الأزمات، الإنسانية والطبيعية على حد سواء، فلن نجد مثالاً أكثر نجاحاً وبياضاً من تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تعاملها مع جائحة كورونا، فهي كارثة طبيعية حتى يثبت العلماء العكس، وقد نجحت الإمارات باعتراف دولي في التصدي لهذه الأزمة عن طريق إدارتها باحتراف وحرفية كبيرين، وذلك من خلال الآتي: أولاً: تمكنت دولة الإمارات من بناء نظام صحي بمعايير عالمية في المجالين الوقائي والعلاجي، وكلاهما يكمل الآخر، ووجود القاعدة الخدماتية المميزة والمتطورة في المجال الصحي، وهو عمل إنساني يتعلق بالبنية التحتية، أدى إلى نجاح في التعامل مع الكارثة الطبيعية، الوباء، فاحتوت المؤسسات الصحية بالتعاون مع المؤسسات الأخرى بتوجيهات صاحب القرار القيادي المتفرّد، جائحة كورونا، وخرجت من الكارثة بأقل الخسائر، إذا ما قورنت بدول لها باع طولى وتاريخ كبير في المجال الصحي. ويمكننا اعتبار بناء المؤسسات الصحية والطبية، خطوة استباقية لمواجهة الكارثة الطبيعية، أي أن إدارة الأزمة باعتبارها إدارة الحياة، بدأت منذ الإعلان عن قيام الدولة قبل خمسين عاماً.

  إن هذا الاستعداد المسبق والممارسة الحاضرة والتعامل المتفوق مع الجائحة، عاد على الإمارات ب 13 جائزة ضمن جوائز ستيفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2021 التي رعتها غرفة تجارة وصناعة رأس الخيمة، حصلت على جوائز ذهبية وفضية. أما الإنجاز الباعث على الشموخ فيتمثل في البدء في تصنيع لقاحات كورونا في الإمارات بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية.

  ذاك كان نموذجاً واحداً من بين النماذج الكثيرة التي تجسد نجاح استراتيجية الإمارات في إدارة الأزمات، وهناك نماذج أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها، وفي مجالات سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية ورياضية، وجميعها ترتبط بالاستعداد المبكّر لمواجهة التحديات، فكل تنمية في أي مجال هي عملية تندرج في فن إدارة الأزمات، وكلما تحققت الاستدامة في التنمية، تحقق الأمن الشامل، وتواصل الأمان الروحي والمادي في الوطن.

suwaiji@emirates.net.ae

عن الكاتب: