المطلوب في مسألة تصنيف الدول اقتصادياً

22:10 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

التصنيفات السارية والمعتمدة حالياً، ومنذ ستينات القرن الماضي، للدول بناءً على إمكاناتها وطاقاتها الاقتصادية: دول متقدمة (Developed countries)، دول نامية (Developing countries)، دول أقل نماءً (Least Developed countries - LDCs)، أضحت تصنيفات (ذهبت مصطلحات) اقتصادية/اجتماعية، عتيقة، بحسبان التغيرات الهائلة التي شهدتها عملية التموضع وإعادة التموضع الاقتصادي للدول ولموازين القوى داخل نظام العلاقات الاقتصادية الدولية. 
وكما أن الزمن تجاوز، في البدء، مصطلح الدولة الصناعية (Industrialized country)، نتيجة لعدم توقف عملية التصنيع عند حد معين أو عند دائرة جغرافية محددة، وتوقف المصطلح وعجزه عن عكس وتفسير مراحل التقدم الجارية والمتواترة، فإن الزمن أيضاً، بجملة ما حمله واستحدثه من تطورات وتحولات جعلت التكنولوجيا وأنساق المعارف العلمية، سلعاً بحد ذاتها بعد أن كانت وسيطاً سلعياً يخلق الفارق في قيمة المنتَج النهائي (Finished product).
وكما نعلم، ليس هنالك معايير محددة متفق عليها، وليس هنالك تصنيفات محددة وموحدة متفق عليها، لتحديد انتماء الدول إلى فئات التصنيف المعتمدة: متقدمة، نامية، أقل نماءً، إلى آخره. ناهيك عن أن مفهوم التقدم المخلوع حصراً على الدول المتقدمة، ومفهوم النمو المنسوب حصراً للدول النامية، لم يعودا يعكسان الوقائع على الأرض ومستجداتها المتوالية. وإذا كان مفهوم التقدم قد شارف على التلاشي بسبب التقادم، فإن الاستمرار في استخدام مفهوم النمو في توصيف (وتصنيف) الدول النامية، لم يعد له، هو الآخر، من مسوِّغ اقتصادي، بعد أن أظهرت الوقائع أن الدول النامية تتخطى الدول المتقدمة في معدلات نموها السنوية لإجمالي نواتجها المحلية، وإن العديد منها امتلك ناصية التقدم وفقاً لأنماط حياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونجاحها في توطين التكنولوجيا وإدماجها في منظومة وسائلها الإنتاجية، وقواها الإنتاجية، وأنساق معارفها وعلومها التكنولوجية.
من بين التصنيفات الأكثر إثارة للجدل واستحقاقاً للاهتمام والإضاءة، تلك التي ابتدعها البنك الدولي، والقائمة على تقدير نصيب الفرد في إجمالي الدخل الوطني للدولة (Gross National Income per capita). فقد قسّم البنك الدولي، العالم، بناءً على تلك التقديرات الاعتباطية، إلى دول منخفضة الدخل (Low Income countries)، وثانية ذات دخل متوسط أدنى
(Lower-middle income countries)، وثالثة ذات دخل فوق المتوسط (Upper-middle income)، ورابعة ذات دخل مرتفع (High income countries)، وذلك وفقاً لبيانات البنك في الأول من يوليو 2020.
وهو يستخدم في ذلك «طريقة أطلس» (Atlas Method)، لتقدير حجم الاقتصادات من حيث إجمالي الدخل الوطني (GNP) بالدولار الأمريكي، منذ عام 1993. وبموجبها يتم تحويل إجمالي الدخل الوطني لبلد ما بالعملة المحلية (الوطنية) إلى الدولار الأمريكي باستخدام عامل تحويل أطلس، الذي يستخدم بدوره متوسط أسعار الصرف لآخر ثلاث سنوات، لتخفيف الآثار المترتبة على تقلبات أسعار الصرف العابرة، مع تعديلها وفقاً للاختلاف بين معدل التضخم في البلد (باستخدام معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلد GDP deflator؛ وهو مؤشر قياس يُستخدم لتحييد تغايرات الأسعار وتأثيرها في القيمة الحقيقية لإجمالي الناتج الوطني، وذلك بقسمة الاسمي على الحقيقي للناتج مضروب في مائة)، وذلك في عدد من البلدان المتقدمة (أيضاً باستخدام المتوسط المرجح لمؤشرات انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلدان من حيث حقوق السحب الخاصة). ليتم بعد ذلك تقسيم إجمالي الدخل الوطني، مقوماً بالدولار الأمريكي، على عدد سكان البلاد في منتصف العام للحصول على نصيب الفرد من إجمالي الدخل الوطني.
بمعنى أن ما يهم البنك الدولي في تقرير تصنيفه للدول، بموجب مقاييسه هذه، هو حاصل جمع القيمة (بعد استبعاد طفيف لتغايرات الأسعار)، من دون اكتراث للتفصيل، أي لما هو أهم من القياس على أساس قسمة إجمالي الناتج الوطني على عدد السكان، وهو هنا تخصيص الموارد (Resources allocations)؛ من حيث أن تلك القسمة تخفي حقيقة التهام المؤسسات غير الإنتاجية لجزء كبير من مخصصات الإنفاق في الموازنة، فيما يتم تخصيص الباقي للإنفاق الجاري والاستثماري.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"