من الفساد إلى الكارثة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

منظومة الفساد التي تنخر معظم مؤسسات الدولة العراقية تجاوزت حدود الإهمال واللامبالاة وعمليات النهب والسلب، وتحولت إلى خطر داهم يهدد حياة العراقيين وصل إلى حد الكارثة، كما حدث في مستشفى «إبن الخطيب» في بغداد، بعدما اقترن الفساد المزمن بسوء الإدارة لينتج واحدة من أبشع المآسي في منشأة يفترض أن يلجأ الناس إليها للاستشفاء والتعافي.

 رويات كثيرة وقصص متعددة عن ضحايا وأهالي الفاجعة التي أثارت حنق العراقيين وغضبهم، ودفعتهم للخروج إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء منظومة الفساد ومحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة. والحقيقة أن العراقيين يطالبون منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، لكن صرخات حناجرهم ذهبت أدراج الرياح، بعدما صمّت الحكومات المتعاقبة آذانها عن هذه المطالب، وبعضها شكّل لجان تحقيق لا تزال تثير سخرية العراقيين، لأنها لم تؤد سوى إلى تمييع قضاياهم، وامتصاص غضبهم، ثم وضع مطالبهم في ملفات النسيان.

 نستحضر هذا الواقع اليوم، بعد التحرك الحكومي وتشكيل لجنة تحقيق في الفاجعة، وإقالة وزير الصحة، ومحافظ بغداد، ومسؤولين آخرين، وإحالتهم إلى التحقيق، كما لو أن المشكلة تتوقف هنا، مع أنها باتت تكمن في عدم اقتناع العراقيين بجدوى لجان التحقيق، ليس بسبب عدم جدية الحكومة الحالية، وإنما لأن الأمر أكبر واخطر من ذلك بكثير. الأمر يتعلق بأن منظومة الفساد هذه أصبحت محصّنة وفوق قدرة أي حكومة على محاسبتها، لأنها وليدة نظام المحاصصة الطائفية الذي نشأ في إطار العملية السياسية التي أسسها الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد عام 2003، وقدّمها على أنها عملية تحّول ديمقراطي لا مثيل لها في العالم، وبالتالي، فإن أي مساس بأي من رموز الفساد والفاسدين، هو مساس بالطائفة التي ينتمي إليها.

 خطورة هذه المنظومة لا تكمن فقط في نهب وسرقة أموال وخيرات الشعب العراقي، وإنما في عرقلة أي إمكانية للإصلاح، والإبقاء على حالة الفوضى في البلاد، عبر دعم «السلاح المنفلت» والجماعات الخارجة عن القانون، في استهداف البعثات الدبلوماسية وأماكن تواجد القوات الأجنبية، لإدامة حالة التوتر وإحراج الحكومة وإشغالها في قضايا ثانوية.

 في كل الأحوال، منظومة الفساد هذه لا تقل خطورة عن الإرهاب وملاحقة بقايا تنظيم «داعش» وخلاياه النائمة، ولا تقل خطورة عن جائحة «كورونا» التي حصدت أرواح آلاف الضحايا، وجاءت منظومة الفساد والإهمال وسوء الإدارة لتقضي على المصابين الذين يحاولون الاستشفاء من هذا الوباء. الأسوأ من ذلك أن منظومة الفساد هذه لا تزال تنخر كل مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، والمؤسسات والدوائر الحكومية، والمدنية، لأنها بنيت على أساس طائفي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن آفاق مستقبلية لأي تطور عراقي، إلا بتحديث مؤسسات الدولة، وهذا لن يتم إلا باتفاق عراقي على إعادة النظر في عملية بريمر السياسية من جذورها ونسف المحاصصة الطائفية وإعادة بناء الدولة المدنية العراقية ومؤسساتها، على قاعدة القانون والعدالة الاجتماعية من دون أي تمييز بين مكونات الشعب العراقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"