انسحاب بطعم الهزيمة

00:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن شهر سبتمبر (أيلول) المقبل لإنهاء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عشرين عاماً من الحرب أسفرت عن مقتل قرابة 2500 أمريكي و38 ألف أفغاني أغلبهم من المدنيين. واختيار التوقيت في ذكرى هجمات سبتمبر في نيويورك وواشنطن جاء لتأكيد أن التدخل الأمريكي في ذلك البلد الذي كلف الخزينة الأمريكية قرابة ألفي مليار دولار حققت أهدافها، بإبعاد خطر تنظيم «القاعدة» عن الولايات المتحدة.

 لكن «القاعدة» ما زالت هناك بل وأضيف إليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما أن حركة طالبان التي أعادت نشر قواتها في الأقاليم الأفغانية ما زالت متحفزة لشق طريقها نحو كابول في غياب التوصل إلى اتفاق سلام قبل الانسحاب الأمريكي وقوات الحلفاء من هناك. فقد فشلت مفاوضات الدوحة في التوصل إلى اتفاق سلام حيث اشترطت طالبان الانسحاب أولاً قبل التفاوض على المستقبل الأفغاني.

 لهذا رفضت طالبان المشاركة في مؤتمر للسلام دعت إليه تركيا في أنقرة ودعمته واشنطن. فالدول المجاورة لأفغانستان بدأت مبكراً في تنسيق مواقفها لما بعد الانسحاب الأمريكي، فهناك إيران التي اتصلت بكل من روسيا وباكستان والهند والصين لاحتواء تبعات الانسحاب من حيث العودة إلى الحرب الأهلية في أفغانستان، حيث تخشى إيران من أن تصيبها هوامش الصراع الداخلي الأفغاني بتواجد ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني في أراضيها.

كما أن باكستان أيضا لها مصالح جمة في تهدئة الوضع هناك خاصة لوجود صلات قبلية ودينية بين الجماعات الأفغانية المعارضة وأحزاب باكستانية، كما أن الهند تخشى من تعاظم قوة طالبان التي تتقاسم الفكر نفسه مع بعض التيارات في كشمير، ولهذا دعا وزير خارجية ايران جواد ظريف الأطراف الأفغانية إلى حل سلمي داخلي بعد الخروج الأمريكي.

 الحكومة الأفغانية عبّرت عن قلقها من قرار سحب القوات الأمريكية قبل التوصل إلى اتفاق سلام، وحذّرت من التحديات التي ستترتب على ذلك، ومن إمكانية وقوع فوضى وحرب أهلية. 

 ولعل أسباب الانسحاب الأمريكي ترجع أساساً إلى أنه مطلب شعبي أمريكي، إضافة إلى أن واشنطن فشلت في الحسم العسكري والسياسي، وتكاثرت التدخلات من جانب دول أخرى، كما أن تغلغل «القاعدة» و«داعش» من جنوب الصحراء إلى قلب إفريقيا متجاوزين خط الاستواء بدأ يثير القلق في واشنطن. وقد بدأت إدراة بايدن في بناء استراتيجية صدامية لاحتواء التمدد الصيني واعتبرت الصين الخطر الاستراتيجي فهي بالتالي لم تعد تجد ما تفعله في أفعانستان لأن تبعات أي أحداث داخلية هناك ليست مؤذية للولايات المتحدة بل للدول المجاورة وليس بينها دول حليفة لها. 

 الانسحاب الأمريكي هنا يشبه في بعض جوانبه الانسحاب من العراق حيث ترك الأمريكيون حكومة ضعيفة في مواجهة إرهاب «داعش»، من ثم اتساع نفوذ الميليشيات ومازال العراق حتى الآن يحصد المآسي جراء ذلك. ويرجح البعض أن تدخل أفغانستان في مرحلة جديدة من العنف بعد الانسحاب الأمريكي. فما فشل فيه الأمريكيون على مدى عقدين لإنهاء حركة طالبان لن يستطيع الجيش الأفغاني الذي يعاني ضعفاً أن يحققه، ويخسر الشعب الأفغاني بعض الحريات التي اكتسبها في قطاعات الثقافة والتعليم وخروج المرأة إلى العمل. وقد رأى الكثيرون أن عدم الانسحاب الفوري من أفغانستان، كما تطالب به طالبان جاء لمنح الوسطاء وهم روسيا وإيران وتركيا فرصة لترتيب مؤتمر لاحق يضع خطة للسلام في أفغانستان. 

 الولايات المتحدة عملياً تريد الخلاص من الحرب وليس خدمة أفغانستان التي تنتظرها مرحلة معقدة، إلا إذا حدثت معجزة التوصل إلى سلام حقيقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"