من صمت نجا

01:14 صباحا
قراءة دقيقتين

يقول الروائي الراحل آرنست همنجواي: «يحتاج الإنسان إلى عامين ليتعلم الكلام، وستين عاماً ليتعلم الصمت». وأجد في هذه الكلمات الكثير من الحكمة والموضوعية، خاصة ونحن نعلم أن قيمة الصمت بالغة ومهمة، ومع الأسف الاهتمام بممارسة الصمت لا يتوازى مع أهميته، ولا مع فوائده، ويكفي أن نعلم أن معظم ما يحدث في عالمنا من مشاكل وعقبات وخلافات؛ هو نتيجة للكلام؛ نتيجة لعدم الصمت؛ بل إن الكثير من الآباء والأمهات يعززون قيمة الكلام والتكلم، في قلوب وعقول أطفالهم، ويزرعون فيهم منذ نعومة أظفارهم هذه الخصلة، كأن يقال للطفل بألا يصمت، وأن يدافع عن نفسه، فلا يتم تعليمه متى عليه أن يلزم الصمت، ومتى يستطيع التحدث، أو ما المواقف التي يمكنه فيها التعبير والتكلم، وما الأوقات المناسبة بأن يلزم الصمت فيها؛ لذا يصح أن نقول: إن الصمت فن لا يعرفه الكثير من الناس؛ بل إنه فن غريب، ولا يجد الحافز ولا التشجيع، على الرغم من أنه يزخر بالفوائد والخصال الحميدة الطيبة، التي سترتد بشكل إيجابي على الإنسان. 
ولعل ما يعزز مثل هذا التوجه أن الصمت كان محل مدح وإشادة في معظم التراث البشري، وستجده ماثلاً في معظم الحضارات، وعلى اختلاف المجتمعات، والمقولات والحكم التي تدور حول قيمة الصمت غزيرة وعديدة ومتنوعة، وثرية ومحملة بالخبرات والمعاني العميقة، وهو ما يدل على ما تحتويه هذه الخصلة من قيمة عظيمة. 
البعض ذهب إلى أن فيه راحة نفسية، كما قال المؤلف نيكوس كازانتزاكس: «إن الكلمات لا يمكنها أبداً أن تخفف عما في قلب الإنسان وتريحه، الصمت وحده قادر على فعل ذلك». أما في الامثال فنجد تنوعاً هائلاً ومعاني متنوعة تنم عن الفائدة، في الحضارة الصينية هناك مثل جاء فيه: «الذبابة لا تدخل الفم المطبق» وهو ما يعني الفم الصامت، وفي هذا إشارة إلى أن المشاكل لا تصل لمن يعرف متى يصمت ويطبق على شفتيه ولا يتحدث.
 وكما قال الإنجليز في أمثالهم: «من الإصغاء تأتي الحكمة، ومن الكلام تأتي الندامة» ومن قبل ومن بعد، هذا هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، يقدم توجيهه الكريم عندما قال: «مَنْ صَمَتَ نَجَا». هي رسالة تحثنا على تعلم الصمت ومنحه المكانة التي يستحقها من حياتنا.
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"