السياسة المالية في ظل «كورونا»

23:25 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق
بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي (الدخل في ما بعد) حوالي 87 تريليون دولار في عام 2019، وكان يتوقع أن ينمو بنسبة 5% ليصل إلى حوالي 91 تريليون دولار في عام 2020 ولكن الدخل العالمي انخفض إلى حوالي 85 تريليون دولار في عام 2020 بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق النشاطات الاقتصادية في عام 2020 بالاضافة إلى الخسائر البشرية التي فقدها العالم. 
ونظراً لأن السياسة النقدية التقليدية أصبحت غير فعالة بوصول سعر الفائدة إلى حوالي الصفر، تبنت البنوك المركزية في الولايات المتحدة وفي الوحدة الأوروبية وفي اليابان سياسة نقدية غير تقليدية تمثلت في قيام البنوك المركزية بتوفير السيولة للاقتصاد بشراء سندات الخزينة والشركات ما أتاح للحكومات أن تتبنى السياسات المالية التوسعية لدعم المؤسسات الوطنية وتحفيزها للاحتفاظ بالعمالة. 
ومثل هذه التدابير أثارت وما تزال تثير مخاوف التضخم بين الاقتصاديين واهل السياسة. ففي الولايات المتحدة أدت برامج الدعم الضخمة التي تجاوزت 3 تريليونات دولار والتي يطالب الرئيس بالمزيد منها حتى يتمكن الاقتصاد الأمريكي من خلق فرص عمل لملايين العمال الذين فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا إلى جدال حول آثار برامج التحفيز على النمو والتضخم في المدى الطويل. 
ولكن الواقع يشير إلى أن النمو السنوي للاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من العام الحالي (2021) بلغ 6.4% وهو معدل غير مسبوق، ارتفاعًا من 4.2% في الربع الأخير من عام 2020. ويتوقع زيادة أخرى غير مسبوقة إلى 11% في الربع الثالث بفضل سياسات المالية الأمريكية السخية. الواقع أن ميزانيات الحكومات في عامي 2020 و2021 تبين الزيادة الكبيرة في عجزها بسبب زيادة النفقات وانخفاض الايرادات. فعلى المستوى العالمي، ارتفع عجز الميزانيات من 3.6% من الدخل العالمي في عام 2019 إلى 10.8% في عام 2020. وعلى مستوى الاقتصادات المتقدمة فقد ارتفع العجز من 2.9% إلى 11.7% من الدخل العالمي، وعلى صعيد الاقتصادات الصاعدة والنامية ارتفع العجز من 4.7% إلى 9.8% بين العامين 2019 و2020. 
وقد انعكس تطور الميزانيات الحكومية في إجمالي الدين الحكومي. فعلى مستوى العالم، ارتفعت نسبة إجمالي الدين من حوالي 84% في عام 2019 إلى حوالي 97% في عام 2020. وعلى صعيد الاقتصادات المتقدمة ارتفعت النسبة من حوالي 104% إلى حوالي 120%، وعلى صعيد الاقتصادات الصاعدة والنامية ارتفعت النسبة من حوالي 55% إلى حوالي 64%.
الواقع أن العجز في ميزانيات حكومات الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والوحدة الاوروبية واليابان والصين التي تقترض بعملاتها وتستخدم النفقات في زيادة ثروات البلاد يمكن اعتباره سياسة واجبة ومهمة في أوضاع مثل أوضاع العالم في ظل جائحة كورونا. «فنظرية النقود الحديثة» تشجع على تمويل العجز بالاقتراض المحلي دون خوف من ارتفاع المديونية العامة، لان البديل انخفاض أو انكماش النشاط الاقتصادي وارتفاع البطالة والفقر واضطراب الاوضاع الاجتماعية. أما الخوف من عودة التضخم، فإن التجربة في السنوات الماضية تشير إلى أن الاقتصادات الكبرى ما زالت عاجزة عن تحقيق النسبة المستهدفة وهي 2%.
على أية حال، بالرغم من أن الآفاق العالمية محاطة بقدر كبير من عدم اليقين في الوقت الراهن بعد مرور عام على بداية الجائحة، فإن تزايد تغطية اللقاحات تبعث شعوراً بالتفاؤل. ولكن هناك تباعداً في مسارات التعافي الاقتصادي بين البلدان والقطاعات، ما يعكس التفاوت في الاضطرابات الناجمة عن الجائحة ومدى الدعم المقدم من السياسات لمواجهتها. ولا تعتمد الآفاق المرتقبة على نتيجة المعركة بين الفيروس واللقاحات فحسب، إنما ترتهن أيضاً بمدى قدرة السياسات الاقتصادية المطبقة في ظل درجة عالية من عدم اليقين على الحد بصورة فعالة من الضرر الدائم المترتب على هذه الأزمة غير المسبوقة.
* مستشار اقتصادي ومالي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"