فراشة احترقت بلهب قنديل

00:16 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

في غياب الرسّام مصطفى الحلاج (1938-2002) نقرأ روايتين، هناك من يقول إنه حين شبّ الحريق في مرسمه وقتما كان يقيم في دمشق حاول إنقاذ لوحته «ارتجالات الحياة» من اللهب، ولكنه سقط على الأرض منهكاً وهو يغالب النار وتوفي محترقاً هو ولوحته، وهناك من يقول إنه حاول إنقاذ اللوحة من مرسم ناجي العلي في دمشق، وفي الحالتين، وعلى أية رواية فقد خسر الفن التشكيلي العربي في هذا الحريق العشوائي لوحة عالمية لو قدّر لها أن نَجَتْ من النار. 
يبلغ طول لوحة «ارتجالات الحياة» 114 متراً، وهناك من يقول إن طولها 97 متراً، وعرضها 36 سنتيمتراً، تحمل رموزاً كنعانية، ودينية، وميثولوجية، وفي اللوحة تحضر رسومات لحيوانات وطيور وبشر، ويستدعي الحلّاج أساطير ذات منشأ مصري قديم، وتظهر المرأة في تجلّيات تشكيلية مختلفة تميل إلى فكرة الخصب والجمال والحب.
لوحة بهذا الطول، إذا أردت أن تحملها أو تسافر بها، فلا بدّ من طَيّها ونقلها من مكان إلى آخر كأنما هي ذاكرة.
كان الحلاج على نحو ما يطوي التاريخ، ويحمله أو ينقله من تدوينه السردي الرسمي إلى الفكرة المجازية إن جازت العبارة التي اشتغل عليها هذا الرسام الذي عاش حياة توصف أنها كانت على الحافة دائماً، ومات موتاً تراجيدياً في صورة رواية أو مسرحية، ولكنهما، لم تكتبا حتى الآن لأن الأدب أحياناً، وربما، كثيراً، يخجل من الموت.
عاش الحلّاج بين بيروت ودمشق في ستينات عمره، لكن شبابه كان في مصر، ودرس النحت في مدينة التماثيل «الأقصر»، وربما لهذا السبب يسهل معاينة الرموز الميثولوجية المصرية والفرعونية في أعماله الفنية التي تشكل في مجملها «مطوية» أو سردية بصرية، فكرية، فلسفية مؤلفة من الأسطورة والواقع.
ثلاثة معارض فردية له أقيمت في القاهرة في الأعوام 1959، 1964، 1968، ومثلما أحب مصر، كذلك أحب سوريا، وينقل الناقد عبد الكريم فرج عن الحلّاج في عروبيته، فهو مصري في القاهرة، ولبناني في بيروت، وسوري في دمشق، وحاز تكريماً يليق بتاريخه الفني في بينالي الشارقة في عام 1995.
الجانب الآخر الذي يذكر تلقائياً عن استعادة مصطفى الحلّاج هو تلك الإشارات التي تقاربه مع المتصوّف الحسين بن منصور الحلّاج ولو في حدود رمزية مثل الاسم ودلالاته، فالحلاج في المعجم هو من صنعته الحلاجة، وهي تخليص القطن من بذره، وحَلَجَ الحبل أي فَتَله، وعلى نحو ما كان مصطفى الحلّاج صوّافاً أو قطّاناً أو فتّالاً لقماش لوحاته ومحاولة أسطرة هذه اللوحات بشيء من حرفة الحلاجة التي أفضت به إلى شكل من التصوّف.
صوفية مصطفى الحلّاج يقابلها أمر آخر عند استعادته أو الكتابة عنه في مناسبة أو بلا مناسبة، ينطوي على شخصية شاعر أشبه بفراشة احترقت بلهب قنديل.
yabolouz@gmail.com

عن الكاتب: