عن أية إيديولوجية قومية عربية نتحدث؟

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

من أجل أن لا نتيه في المماحكات الكثيرة حول الإيديولوجيا، دعنا نؤكد من البدء أن الإيديولوجية التي تعنينا في هذا المقام هي السياسية، وهي التي أولاً تملك نقداً عقلياً وموضوعياً للحالة التي يعيشها المجتمع، وثانياً لديها أهدافها الاستراتيجية الكبرى التي تريد تحقيقها، وثالثاً تحدد بصورة واضحة الوسائل التي ستوصل المجتمع إلى تلك الأهداف.
وفي هذه الحالة ستوجد عدة إيديولوجيات سياسية، متنافسة سلمياً وتأخذ بممارسة الأخذ والعطاء الديمقراطي المتسامح، التي تملك مرجعيات قيمية أخلاقية وإنسانية تضبط الساحة السياسية وتضبط نشاطاتها.
 نحن إذن لا نتكلم عن إيديولوجية استعلائية أو عرقية أو مدعية امتلاكها تاريخاً متخيلاً مليئاً بالكذب كما كان الحال مع النازية أو غيرها حالياً. ولا عن إيديولوجية تهتم بجانب سياسي محدود أو آني كحركات الخضر مثلاً، ولا عن أحلام وتمنيات غير مربوطة بإحكام بالواقع المعيشي وبحركات اجتماعية كبرى أو أحزاب سياسية مناضلة متواجدة في كل مكان.
 وأخيراً يجب الإصرار على أن تهيئ الإيديولوجيات السياسية العربية نفسها لمواجهة ما طرحته ثقافة وشعارات وممارسة الحداثة الأوروبية عبر القرون الثلاثة الماضية، وادعت أنه يصلح لكل أمة ولكل زمن وأنه نهاية التاريخ، وما تطرحه الآن ثقافة وشعارات وممارسات ما بعد الحداثة من رفض نقدي سلبي لبعض ما طرحته الحداثة سابقاً ومن محاولة للادعاء أيضاً لاعتبار ما تطرحه صالحاً لكل أمة ولكل زمان. وما لم تتحرر الإيديولوجيات السياسية العربية من هيمنة الآخرين ومن الانشغال العبثي بمشاكلهم وخلافاتهم، ولكن بالتفاعل الندي معهم، فإننا سندور في حلقة إيديولوجية هامشية عربية، تماماً كما فعل بعضنا في السابق.
 ضمن تلك المحددات وذلك الفهم لموضوع الإيديولوجيا دعنا نرد على من يعتبرون أن تذكيرنا الدائم لشابات ولشباب الأمة العربية بأهمية أن يكون نضالهم السياسي ضمن نظرة إيديولوجية قومية عروبية هو من قبيل الأوهام والأحلام.
 فأية مراجعة للحركات القومية العربية عبر المائة سنة السابقة تظهر أنها طرحت نفسها كإيديولوجيات سياسية موضوعية واقعية تنطبق عليها كل متطلبات الإيديولوجيا التي تعكس حاجات الأمة العربية في العصر الحديث.
 فهي إيديولوجيات درست واقع الأمة العربية التاريخي المتخلف والمليء بإشكالات كبرى درساً تحليلياً نقدياً جزئياً، كما تفعل كل الإيديولوجيات.
 وعلى ضوء تلك الدراسات وصلت إلى قناعة بأن أكبر إشكاليات الواقع العربي هي في تجزئة الأمة، وفي وقوعها تحت أشكال من هيمنة واستباحة القوى الاستعمارية، وفي تخلفها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي – التكنولوجي عن مقاييس العصر الحديث.
 من هنا وضعت كل الإيديولوجيات القومية العربية أهدافها الكبرى كرد على ذلك الواقع. فهدف الوحدة العربية هو رد على واقع ومصائب التجزئة، وهدف الحرية هو رد على تواجد الاستعمار في بلاد العرب وعلى هيمنة الاستبداد الداخلي التاريخي، والاشتراكية (أو العدالة الاجتماعية) هو رد على ظاهرتي الإقطاع والرأسمالية الجشعة والفقر المدقع والامتيازات الاجتماعية غير الشرعية.
 أما وسيلة الوصول إلى تلك الأهداف فكل الإيديولوجيات القومية اقترحت النضال الشعبي الثوري.
 تلك كانت الصورة، بصورة عامة، بدءاً من أربعينات القرن الماضي وحتى نهايته. لكن فشل تحقق أي من الأهداف وتراجع قوى كل الأحزاب القومية طرح ضرورة المراجعة وإعادة النظر. من هنا الجهد الكبير الذي بذله مركز دراسات الوحدة العربية عندما جيش ثلاثمائة من مفكري الأمة لوضع مشروع إيديولوجي قومي عروبي بأفكار وأهداف جديدة تحت مسمى «المشروع النهضوي العربي» وبأهدافه الستة: الوحدة العربية، الاستقلال القومي والوطني، الديمقراطية، التنمية المستدامة، العدالة الاجتماعية، والتجديد الحضاري. وهي مكونات تهدف إلى سد النواقص السابقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"