الانتصار والهزيمة

02:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا توجد حرب بين طرفين فيها منتصران ومهزومان، لا بد من وجود منتصر ومهزوم، وغالباً ما تكون المعايير التقليدية في احتلال الأراضي وعدد القتلى والجرحى والأسرى، وعدد الآليات التي دُمّرت والطائرات التي أُسقطت، إضافة إلى الخسائر المالية نتيجة تعرض منشآت اقتصادية للقصف أو التدمير. تلك معايير مادية تقليدية محسوسة تُحسب بالأرقام. لكن هناك معايير أخرى تفرضها المعركة التي تدور بين طرفين غير متكافئين في العتاد وعديد الجنود والترسانة العسكرية ومنها البقاء والصمود، كأن تهدف المعركة إلى قضاء طرف على آخر، وينجو هذا الطرف الأخير ويبقى صامداً ويقاتل، وهنا تتحول المعركة إلى معركة وجود، تدخل فيها المعنويات وتعزيز الشعارات وغيرها من الثوابت التي يمكن التغني بها والبناء عليها.
 المراقبون والمحللون العسكريون لهم معايير أخرى لا تختلف كثيراً عن معايير المهزوم أو المنتصر، وتقترب من الحديث في الإستراتيجيات والتكتيكات والروح المعنوية ومستقبل الصراع، إضافة إلى سيناريوهات بشأن المعارك القادمة، ويتجرأ بعضهم على تحديد المنتصر والمهزوم فيها بناء على معطيات وحيثيات واحتمالات وفرضيات، وقد يصيبون أو يفشلون، فللحرب مفاجآتها التي يراها العسكريون فقط.
 لعلّ المتتبع للصراعات يدرك سريعاً أننا نتحدث عن المعركة الأخيرة التي دارت بين التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة والجيش الإسرائيلي، وهي معركة في إطار حرب دائرة منذ سنوات طويلة، وإن لم نكن نسمع فيها دائماً أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات وغيرها، وهذا مبحث آخر، لكن ما يهمنا هنا، أن طرفيّ المعركة، وهي ليست بين دولتين أو جيشين، إنما بين تنظيمات مسلحة تتمتع بحرية الحركة وجيش يُعد أقوى جيش في المنطقة، وهذا الكلام لا يشير إلى أي شيء وإنما مجرّد توصيف للواقع، نعود فنقول إن طرفي المعركة أعلنا الانتصار، ففي قطاع غزة، حيث الفصائل، أعلنت الانتصار وعاشت بهجتها، والجيش الإسرائيلي أعلن الانتصار وعاش أيضاً فرحته، ولكل طرف حساباته في الانتصار الذي يحسبه لنفسه، والهزيمة التي أوقعها بعدوّه.
 علامات النصر التي أوضحتها الفصائل في غزة تتمثّل في صمودها أمام قوة عسكرية كبيرة، وفي الحفاظ على وتيرة إطلاق الصواريخ وعديد قواتها، وفي تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإثارة الشعب الفلسطيني في منطقة ال48 ومشاركته في الاحتجاجات لأول مرة منذ سنوات طويلة، وإثارة الرأي العام في بعض الدول الأجنبية، ومن الناحية المادية وصول صواريخها إلى مناطق بعيدة، وقتل وجرح عدد من الجنود وحرق خزانات النفط، وتعطيل المدارس وحركة الطيران.
 أما علامات النصر الإسرائيلية كما أوضحها قادة إسرائيل، فتتمثل في تدمير مجموعة من الأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ وتحجيم قوة الفصائل، وتدمير أماكن كانت تستخدمها للتشويش على الطائرات وحركة الملاحة، والقضاء على مجموعة من قياداتها وعدد من المقاتلين.
 الأهداف التي نشبت من أجلها المعركة، مثل وقف اقتحام المسجد الأقصى وحل قضية سكان حي الشيخ جراح فلسطينياً، والقضاء على منظومة الصواريخ الفلسطينية، وتحقيق أمن إسرائيل ووقف تهديد المدن الإسرائيلية واستعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى، كل هذه الأهداف لم تتحقق، فلماذا اندلعت المعركة وسقط قتلى وجرحى من الجانبين وتم تدمير مبان وشوارع ومنشآت لدى الطرفين؟
 التصريحات التي صدرت عن قادة الفصائل وعدد من الدول العربية والولايات المتحدة أكدت على أهمية الحل السياسي للقضية الفلسطينية لا سيما حل الدولتين، وهما مسألتان يتم التداول فيهما منذ سنوات طويلة من دون تحقيق إنجاز يذكر، فهل كانت المعركة عبثية؟
المعركة لم تكن عبثية أو مجانية، لكن الثمن كان باهظاً خاصة بالنسبة للفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتالي فإن الطرفين لم ينتصرا ولم يُهزما.
بقي أن نقول إن على رعاة السلام في الشرق الأوسط أن يتحركوا الآن بجدية، لأن المعركة القادمة قد تكون أشبه بالمجزرة، سيدفع ثمنها المدنيون من الطرفين مقابل مكاسب سياسية من السهل الحصول عليها بالأساليب السلمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"