العمل الإنساني والسياسة

00:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

احتفلت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل ثلاثة أيام بيوم زايد للعمل الإنساني، تخليداً لجهود القائد الفذ والمؤسس للدولة النموذج في العطاء والتنمية والتقدّم، وذلك لغرس القيم التي آمن بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وعمل بكل ما أوتي من إخلاص وصدق وقوة ومثابرة، ليترجمها على أرض الواقع، فكانت دولة الاتحاد التي نراها اليوم ببهائها وجمالها ورونقها وتميزها وفرادتها. نقول، غرس القيم في الأجيال الصاعدة التي لم تعاصر قائد المسيرة، لتعلم تاريخها وماضيها، الذي أسس لحاضرها، ويمهّد الطريق لمستقبلها.

وحين يرد ذكر عبارة (العمل الإنساني)، فإن الوعي العادي يحيلها إلى منهج العطاء والخير والنجدة وكل معاني الإنسانية، إلا أن هذه العبارة أبعد من ضيق المعنى نحو رحابة فضاء الشمولية، ويمكن ترجمتها بعبارة أخرى مثل السياسة الإنسانية، ومبدأ الإنسانية يشمل جميع ميادين ومجالات الحياة بكل تفرعاتها. ففكر الشيخ زايد، رحمه الله، شمولي وعام، ومن هنا يمكن الحديث باطمئنان في هذا المنهج.

بداية يمكننا القول إن فكرة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة هي فكرة إنسانية في المقام الأول، ونحن هنا لا نحصرها بالمعنى الخيري، إنما بالمعنى السياسي التنموي العام، إذ كل ما نتج عن هذه الفكرة يمكن إدراجه ضمن الإنجازات الإنسانية الكبرى.

فالإنسان هو المقصود ويشكل الهدف الأسمى لفكرة الاتحاد، الفكرة التي سعت إلى تمتين أواصر المحبة والتعاون بين إمارات الدولة، أي بين المجموعة البشرية التي تسكن وتقيم على أرض الدولة، وذلك بهدف تأمين حياة كريمة لمواطني الدولة والمقيمين عليها. ولو تداعينا قليلاً، سنذكر أن الشيخ زايد، رحمه الله، لم يكن يذكر المواطن إلا ويتبعه بالمقيم، وهو مبدأ إنساني رفيع، وقيمة حضارية متقدّمة، تتيح للمواطن والمقيم سواء بسواء، الإحساس بالانتماء للمكان الأجمل، والشعور بالفخر نتيجة الوجود في المكان والعمل على تطويره، وهذا ما مهّد منذ أكثر من خمسين عاماً، لفكرة التسامح والتعايش مع الآخر، والتفاعل مع ثقافته.

نقول إن تعزيز العلاقات بين إمارات الدولة يتجاوز بساطة فكرة الوحدة، نحو الإحساس باتساع الجغرافيا، فبدلاً من الانتماء إلى إمارة صغيرة أصبح الانتماء إلى دولة ذات سيادة، دولة بكل ما تعنيه القوانين والأعراف الدولية، دولة لها شأن بين الدول الإقليمية، ولها دور على الساحة الدولية، وهذا الإحساس بالاتساع والتجاوز والمدى المترامي الأطراف، يمنح الإنسان قوة مادية وأخرى معنوية، حتى إذا ما تحققت الأهداف، أصبح الإنسان، المواطن، سفيراً لبلده، يقوم بتمثيله بفخر واعتزاز ومحبة وخيلاء، ليترجم قيم الانتماء والولاء والعرفان والحمد لله وللقيادة ولكل المعطائين باذلي الجهود.

بناء على فكرة الاتحاد الإنسانية، يصبح توفير العلاج والطبابة والرعاية الصحية، بمعايير عالية الجودة، عملاً إنسانياً بامتياز، إذ تتجلى الإنسانية هنا في تخفيف آلام مريض، وتحسين الصحة العامة ورفع معدّل عمر الإنسان بمشيئة الله. فكان نتيجة القيم الإنسانية الشاملة عشرات المستشفيات العامة والتخصصية، ومئات العيادات في كل مكان يقطنه إنسان.

أما توفير التعليم، فهو، كما أعتقد، الركيزة الأساسية للعمل الإنساني، فهو المسؤول عن بناء الإنسان، بما يتضمنه التطور الطبي والبيئي والاقتصادي والصناعي والثقافي والأدبي والفني، ومن دون نظام تعليمي متطور، يصعب الحصول على تنمية متقدمة، ويصعب تحقيق الإنجازات. وما ينطبق على التعليم ينطبق على كل مفردات التنمية الخاصة بالإنسان.

لعل الأمور غير المرئية والخاصة بالنواحي المعنوية التي يمكن رؤيتها في نسيج الإنجازات الإنسانية تتعلق بالارتقاء بجودة المعايير الإنسانية، وهي ما تميز الشعوب المتحضرة وتمنحها نقاطاً إضافية في مسيرتها الإنسانية. ولعل حقوق المرأة هي أبرز ما يتجلى في فلسفة العمل الإنساني الجوهرية، ومساواتها بالرجل في القوانين والدرجات الوظيفية وفرص العمل والراتب والتطور في مكان العمل، وتسلمها المناصب العليا، حتى أنه لا يوجد مجال عملي يستبعد وجود المرأة، وهذا يُحسب للمنظومة الفكرية التي كان يتمتع بها الشيخ زايد، رحمه الله، التي احتفظت للمرأة بمكانة عالية ومرموقة. ولا نبالغ بقولنا إن الجهود التي بذلتها المرأة، بعد إفساح المجال لها بالعمل في كافة نواحي الحياة، ساعدت كثيراً في دفع عجلة التنمية والازدهار، وساهمت في تحقيق مستوى راق للأسرة في الإمارات، بشقيه المادي والمعنوي، ونحن نشعر بالفخر حين نرى المرأة تمثل الدولة في المحافل الدولية والمنظمات العالمية، وتساهم في دفع عجلة القوة الناعمة إلى الأمام. وما تتمتع به المرأة في الإمارات، يُعد ميزة إنسانية وحضارية وتنموية.

وحين نذكر المرأة يُذكر الطفل، لأنها هي التي ساهمت بقوة في تثبيت حقوق الطفل بشكل عام، وتثبيت حقوقها كأم بشكل خاص. وفي السياق الأصيل نذكر حقوق كبار السن وأصحاب الهمم والحالات الاجتماعية، ما يؤكد فلسفة التضامن المجتمعي.

إن لكل حقل تنموي فلسفة إنسانية متجذرة، ليصبح العمل الإنساني منتشراً في نسيج المجتمع، ويتحول إلى أسلوب حياة، وهكذا، يأخذ يوم زايد للعمل الإنساني بعداً سياسياً، استناداً إلى أن السياسة هي فن إدارة شؤون الناس، وتطويرها وفقاً للضرورات والحاجات والمستجدات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ptehhucf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"