التحول الديموغرافي والحيويــة الاقتصاديــة

22:51 مساء
قراءة 4 دقائق

جون كيمب*
سلط الإحصاء السكاني في الصين، الضوء على قضية انخفاض عدد السكان والشيخوخة، وجلب معه سيلاً من التعليقات حول تأثير ذلك على القوة الاقتصادية والعسكرية للبلاد في المستقبل.
وأظهرت النتائج أن زيادة عدد السكان في أبطأ مستوياتها منذ عقود، وأشعل متوسط العمر الذي يرتفع بسرعة، نقاشاً طويلاً من جديد حول الصين، وكيف أنها تتقدم في السن قبل أن تصبح غنية وقوية بما يكفي.
يلعب الجدل الحاصل الآن حول التراجع الديموغرافي المفترض على خلفية المنافسة الاستراتيجية المكثفة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك الهند التي من المتوقع أن يزداد عدد السكان فيها بشكل أسرع.
لكن من المهم وضع استقرار الصين وشيخوخة سكانها في سياقه المناسب، بدلاً من مجرد نشر المخاوف المتزايدة في أجزاء من الغرب بشأن تغيير ميزان القوة الدولي لصالح الصين.
يعتمد نمو الصين وازدهارها في المستقبل، إضافة إلى قوتها العسكرية والدبلوماسية، على زيادة الإنتاجية والقيمة المضافة، بدلاً من العمالة الرخيصة وزيادة عدد السكان. وتُظهر أحدث بيانات التعداد السكاني التي نشرها المكتب الوطني للإحصاء، أن عدد السكان في الصين أقل قليلاً من التقديرات السابقة، حيث بلغ العدد حوالي 1.4 مليار نسمة في عام 2020، ارتفاعاً من نحو 1.2 مليار نسمة في عام 1990، و660 مليوناً في عام 1960 بحسب الأمم المتحدة.
ووفقاً للبنك الدولي، عانت البلاد منذ فترة طويلة نقصاً نسبياً في الأراضي الزراعية، والموارد المائية، والوقود الأحفوري، بخلاف الفحم، والمعادن الاستراتيجية، بما في ذلك خام الحديد والنحاس. وبحلول أواخر التسعينات، كان نصيب الفرد من الأراضي الزراعية 28% فقط من المتوسط العالمي، وكانت الأراضي العشبية المفتوحة والمراعي الأخرى أقل من النصف. وبلغ نصيب الفرد من موارد المياه ثلث المتوسط العالمي، في حين كانت مناطق الغابات والبرية 15% فقط من المتوسط العالمي.
وفي العقود السابقة، وضع النمو السكاني السريع ضغطاً هائلاً على قاعدة الموارد المحدودة في البلاد، وهو ما يفسر تركيز الحكومة المكثف على تحديد النسل منذ السبعينات. ومثل معظم البلدان النامية، وحتى بعض الدول المتقدمة، رأت الصين أن التحكم في العدد الإجمالي للأشخاص في البلاد ضروري لزيادة متوسط دخولهم.
لكن انخفاض معدلات المواليد، وتباطؤ النمو السكاني، وحتى انخفاض عدد السكان وازدياد نسبة الشيخوخة، كلها أمور شائعة أيضاً بين الاقتصادات الكبرى الأخرى.
فقد بلغ الانخفاض المتوقع في عدد سكان الصين بين عام 2020 وعام 2050 (-3%)، وأقل من ألمانيا (-4%)، وإيطاليا (-10%)، واليابان (-16%).
في المقابل، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان في فرنسا (+4%)، وبريطانيا (+9%)، والولايات المتحدة (+15%)، وكندا (+21%)، مدفوعاً بشكل رئيسي بالهجرة بدلاً من الزيادات الطبيعية، مما سيؤدي إلى إبطاء شيخوخة السكان، وجلب حيوية اقتصادية مهمة في المستقبل.
والاختلاف الرئيسي هنا أنه من المتوقع أن تضيف الولايات المتحدة 41 مليون شخص نتيجة الهجرة بحلول عام 2050، في حين ستخسر الصين 13 مليوناً نتيجة للهجرة.
إن شيخوخة السكان في الصين تعني أن القوة العاملة ستضطر إلى دعم عدد متزايد من كبار السن. ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2020، يوجد في الصين 10 أشخاص فوق ال70 عاماً لكل 100 شخص على رأس عمله تتراوح أعمارهم بين 20 و69 عاماً، في حين كانت نسب إعالة كبار السن أعلى بكثير في الولايات المتحدة، حيث بلغت 18%، وفي كندا 19%، وفي بريطانيا 22%، أما في إيطاليا فقد بلغت نسبة إعالة كبار السن 27%، واليابان هي الأعلى ب36%.
وبحلول منتصف القرن، من المتوقع أن ترتفع نسبة الإعالة في الصين إلى 32%، وهي نسبة أعلى من الولايات المتحدة 28%، وكندا 31%، ولكنها لا تزال أقل من بريطانيا 33%، وفرنسا 39%، وألمانيا 41%، وإيطاليا 54%، وتبقى اليابان في طليعة دول العالم المعيلة لكبار السن بنسبة 58%.
يكمن الاختلاف الجوهري مرة أخرى في الانفتاح على الهجرة، فكلما استوعبت الدول أعداداً أكبر من المهاجرين، تقدمت في العمر ببطء أكثر.
وإذا كانت نسبة الإعالة المتزايدة لكبار السن ستشكل صدمة اقتصادية كبيرة للدول، حيث يتعين على كل عامل أن يدعم عدداً أكبر من السكان غير النشطين اقتصادياً، فسوف يصيب ذلك العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى، إن لم يكن معظمها، وبنفس القوة.
في العقود الأخيرة، كان النمو الاقتصادي الصيني مدفوعاً بالنمو السكاني، والهجرة إلى المدن، والعمالة الرخيصة، لكن في المستقبل سيعتمد نمو الصين على القيمة المضافة التي يقدمها كل عامل بدلاً من عدد العمال. وتستشعر الحكومة الصينية هذا الأمر، ولهذا السبب يركز صانعو السياسات على تنمية الصناعات التحويلية والخدمية ذات القيمة المضافة العالية، بينما يحاولون تقييد الإنتاج ذي القيمة المضافة المنخفضة للطاقة وكثافة الموارد.
وعلى الرغم من النمو السريع للبلاد، لا يزال متوسط إنتاجية العمالة الصينية والقيمة المضافة منخفضين مقارنة بالولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى. 
وحتى قبل أحدث بيانات التعداد السكاني، كان من المتوقع أن يتجاوز عدد سكان الهند عدد سكان الصين بحلول عام 2027 تقريباً؛ لأن الهند في مرحلة مبكرة جداً من التحول الديموغرافي. ومع ذلك، يعتبر السكان بمفردهم مقياساً خاماً للقوة الاقتصادية والعسكرية. ومثل الصين، يعتمد ازدهار الهند في المستقبل على زيادة قيمة الإنتاج لكل عامل، بدلاً من زيادة عدد العمال أنفسهم.

* محلل الأسواق في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محلل الأسواق في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"