استنزاف مدخرات المستهلك الأمريكي

21:53 مساء
قراءة 4 دقائق

جون كيمب*

أظهرت بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة أن الأسر والمنظمات غير الربحية تمتلك أصولاً سائلة بقيمة 18.5 تريليون دولار مع نهاية مارس/آذار 2022، ارتفاعاً من 14.3 تريليون دولار عن نفس الفترة لعام 2019، بعد حساب بيانات التضخم المعدّلة.

وتشمل الأصول السائلة العملات والأرصدة في الحسابات الجارية وحسابات الودائع الآجلة وكذلك صناديق أسواق المال، وكلها متاحة بسهولة للإنفاق. وقد تراكمت هذه الأصول بمعدل قياسي في عامي 2020 و2021 بسبب القيود المفروضة على السفر والإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى شيكات التحفيز المقدمة من قبل الحكومة الفيدرالية.

وخلال فترات الإغلاق الأكثر شدة في الربع الثاني من عام 2020 والربع الأول من عام 2021، كانت الأسر الأمريكية تدخر الأموال بمعدلات سنوية وصلت ما بين 4 و5 تريليونات دولار. ومع ذلك، كانت القيمة المعدّلة للأصول السائلة في الآونة الأخيرة ثابتة أو منخفضة مع تمكن الأسر من السفر مجدداً والتواصل الاجتماعي عن قرب مرة أخرى، في حين أدى ارتفاع الأسعار إلى خفض القيمة الحقيقية لأرصدة الأصول السائلة التي انخفضت في المقابل مع نهاية الربع الأول من العام الجاري بشكل طفيف عن 18.7 تريليون دولار، وهي القيمة الحقيقية للأرصدة في نفس الفترة من عام 2021. ومن المرجح أن تنخفض الأرصدة الحقيقية بشكل أكثر حدة منذ ذلك الحين، حيث تم رفع معظم قيود السفر المتبقية بالتزامن مع جموح التضخم.

إن حقيقة ارتفاع الأصول السائلة الحقيقية للأسر وتراجعها بسرعة تفسر سبب بقاء الإنفاق الحالي قوياً، لكن المستهلكين (وهم الناخبون الحقيقيون) يقولون إن التضخم هو مصدر قلقهم الأكبر وإن الاقتصاد يسير في المسار الخطأ.

ستعتمد مرونة الإنفاق الاستهلاكي في مواجهة تصاعد فواتير الغذاء والوقود والفواتير الأخرى على ما إذا كانت الأسر تركز على مستوى أصولها السائلة الحقيقية (العالية) أو على معدل التغيير (ذو الهبوط السريع). كما أن المرونة تعتمد على المدة التي يتوقع أن يستمر فيها التضخم المتسارع في التهام قيمة مدخراتهم الحالية والحد من القدرة على زيادتها.

يتوقع المستهلكون أن ترتفع الأسعار بمعدلات سنوية تبلغ 5.2% خلال العام المقبل و2.8% خلال السنوات الخمس القادمة، وكلاهما أسرع بكثير من هدف البنك المركزي، وذلك بحسب مسح المستهلكين الخاص بجامعة ميتشيجان في 15 يوليو/تموز 2022.

وانخفضت نسبة الأسر التي تقول إنها أفضل حالاً من الناحية المالية مقارنة بالعام الماضي إلى 37% في مايو/أيار 2022 من 42% قبل عام. في حين قفزت النسبة التي تقول إنها أسوأ حالاً إلى 46% من 22% لنفس الفترة الزمنية.

من بين المستجيبين للمسح ذاته ممن قالوا إنهم أسوأ حالاً، قال 38% إن السبب الأكثر شيوعاً وراء قرارهم هو ارتفاع الأسعار، وهو ذات السبب ل 39% و33% ممن هم في الثلث الأدنى والثلث الأعلى على التوالي لسلم الدخل.

وانعكاساً لتأثير التضخم، انخفض مؤشر ثقة المستهلك إلى مستوى قياسي في يونيو/حزيران الفائت عند 50.0 نقطة، أي أسوأ مما كان عليه خلال الأزمة المالية في عام 2008 (55.3) نقطة، أو خلال الركود في عام 1980 حين بلغ المؤشر (51.7) نقطة، وأسوأ حتى من الفترة التي تلت صدمة النفط عام 1975 (57.6) نقطة آنذاك.

لم يكن هناك سوى تحسن طفيف في أرقام النصف الأول من يوليو، حيث أظهرت النتائج الأولية زيادة مؤشر معنويات المستهلكين بشكل هامشي إلى 51.1. فهل نستمر في الإنفاق أم لا؟

لا تزال الأسر تمتلك الموارد المالية لمواصلة الإنفاق للعام المقبل أو أكثر من خلال تقليل المدخرات التي جمعتها خلال الوباء، لكنها مدخرات مبالغ بها، ومن المرجح أن العديد من الأسر في الجزء الأدنى من سلّم الدخل استنفدت بالفعل احتياطياتها وأصبحت مقيدة بالإنفاق. وبشكل حاسم، تُظهر اليوم بالفعل روايات الأسر والأعمال ونظريات علم النفس حول الإنفاق وجود العديد من السمات المرتبطة ببدء الركود. وبدأت تنتشر تقارير إخبارية مستندة إلى الحكايات حول لجوء الأسر إلى تداول علامات تجارية أرخص، واختصار الإنفاق الأسبوعي على الطعام والبنزين، وتأجيل المصاريف غير الضرورية. كما بدأت الشركات في العديد من القطاعات في وقف التعيينات الوظيفية الجديدة، والنظر في تقليص عدد الموظفين، وإيقاف استثمار رأس المال مؤقتاً.

إن إقناع الأسر بمواصلة الإنفاق يعتمد على إقناعها أولاً بأن النمو سيستمر، وأن التضخم سوف تتم السيطرة عليه لوقف التهالك الحاصل في مراكزها المالية ومدخراتها الأساسية. واستنزاف المدخرات أمر غير سار من الناحية النفسية عندما يرتبط بارتفاع الأسعار والتكاليف بدلاً من زيادة الاستهلاك، وهو ما يفسر الحالة المزاجية المتوترة التي تم رصدها للأفراد والأسر في معظم الاستطلاعات السابقة.

بدأت الأسر الأمريكية بالفعل في كبح جماح الإنفاق، وربما هي غير قادرة كمستهلكة على فعل الكثير فيما يخص ارتفاع الأسعار، لكن بصفتهم (ناخبين) يمكنهم معاقبة أولئك الذين يعتبرونهم مسؤولين عما وصل بهم الحال.

* محلل الأسواق في (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محلل الأسواق في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"