جدلية وحدة الأمة العربية

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د .علي محمد فخرو

من الضروري أن يكون موضوع الشعار الوجودي في الإيديولوجية القومية العربية واضحاً ومقنعاً وعميقاً ومفصلياً إلى أبعد الحدود في ذهن ووجدان شباب وشابات الأمة العربية، من أجل ألا يهتز الالتزام بالنضال من أجله، وبه، كلما قويت شوكة الأعداء، أو ضاعت بوصلة الأمة.
  وبالطبع نعني بذلك مركزية شعار الوحدة العربية: لأمة واحدة ولوطن واحد. هذا الشعار هو إطار كل الشعارات الأخرى، والذي من دونه يضعف، أو يتيه كل شعار آخر.
 من هنا فإن أعداء هذه الأمة لا يخيفهم ولا يزعجهم الحديث عن أي شعار، إلا شعار الوحدة العربية، فإنهم عند ذاك يهابون ما يمكن أن تكون عليه الأمة الموحدة من إمكانات هائلة بالغة التأثير في التوازنات العالمية في شتى المجالات.
  لنتصور لو أن هذه الكتلة الجغرافية التي تغطي ثلاثة عشر مليون كلم مربع، ويسكنها ما يقترب من نصف مليار نسمة، وتحتوي على كل أشكال التنوعات والثروات الطبيعية المكمّلة لبعضها بعضاً، وتستند إلى تاريخ مشترك مملوء بالإبداعات والإنجازات المادية والمعنوية التراثية المتنوعة الغنية، وفيها إمكانات بشرية متناغمة هائلة.. لو أنها انتهت إلى نوع من التوحد التكافلي التضامني، إن لم يكن الاندماجي، فماذا ستكون النتيجة في مجالات الاقتصاد والأمن والاكتفاءات الذاتية والتغلب على الفقر ودخول عوالم المعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتواجد الدولي؟
    الملايين من الشعب العربي يعرفون الإجابة بحسّهم العفوي، وبخبراتهم في الحياة السياسية، لكن هناك أصوات أقليّة، وأفراد ليسوا معنيين بذلك الوهج السياسي والحضاري. كل ما يسمعه الإنسان منهم هو أصوات النزاعات العبثية وتراشق الاتهامات الصبيانية. ولأنها أقليات متسلطة، أو أفراد مصالح أنانية مجنونة، فإنهم قادرون على تجييش كل وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي الجماهيرية، وعلى استعداد لزج هذا البلد العربي، أو ذاك، في زبونية القيام بالوكالة لما تطلبه هذه الجهة الإقليمية، أو تلك الجهة الاستعمارية، من أجل التآمر على الإخوة، أو تأجيج الصراعات والحروب والمماحكات العربية – العربية، والتي بدورها تهيئ الأجواء والنفوس لإضعاف فكر وممارسة التوجه الوحدوي، والاكتفاء البليد المضحك بالاهتمام بالجزء العاجز المستباح.
  ولأن ذلك المشهد المأساوي قائم، ويتكرر بين الحين والآخر، وتحركه أيادي الخارج كلما احتاجت لإضعاف هذه الأمة، فإن إنهاء الدوامة التي يدور فيها يتطلب الانتقال إلى ديموقراطية معقولة تتبنى إرادة الشعوب، وعلى الأقل أغلبية مكوناتها. وهكذا، فإن الديمقراطية هي مكون أساسي من مكونات الوحدة العربية، وفي الوقت نفسه، وسيلة مفصلية لتحققها. وهنا لا بد من التأكيد على أن هلوسة بعض الأنظمة العربية بأنها مسؤولة عن تدمير نظام عربي آخر باسم إعلاء شأن ما يعرف بالمعارضة الديمقراطية هي أقصر الطرق لتدمير أمل قيام وحدة عربية.
 الديمقراطية في كل قطر يجب أن تنبع في الأساس من إرادة شعب ذلك القطر، وليس من قبل الخارج. لكن ذلك لا ينفي أهمية النضال القومي الشعبي المتضامن، بل والموحد.
  ما يهمنا هو أن يترسخ في أذهان الجيل العربي الجديد أن الشعور القومي العروبي هو حراك جدلي، يقوى أحياناً، ويضعف أحياناً أخرى، في صيرورته المستمرة التاريخية والمستقبلية. إنه زخم لا يقبل بالسكون والوجود الآسن الراكد، لأن الأخطار التي تحيط بالأمة تزداد بين الحين والآخر إلى حدود الكوارث، وبالتالي فإن عليه أن يستجيب لمواجهة تلك التحديات.
ذاك الشعور لن يهدأ إلا في أحضان وحدة الأمة والوطن، كحتمية وجودية قادرة على إخراج العربي من ألف علّة وعلّة.

dramfakhro.gmail.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"