ولد لبات في الخرطوم

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

قد لا تظهر العاصمة السودانية في صورة وردية وهي تستقبل الدبلوماسي الدولي محمد الحسن ولد لبات في زيارته الحالية، فقد مرّت مياه كثيرة تحت الجسر منذ أن احتفلت المدينة المرهقة بتوقيع اتفاقية الشراكة بين المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير، وهي الاتفاقية التي وضعت الأساس للحكم الانتقالي، وأنقذت البلاد من الوقوع في هاوية المجهول ودائرة الدم التي كانت تحيط بها.

 لقد كان توقيع اتفاق الإعلان الدستوري الخطوة الأخيرة في ماراثون التفاوض بين العسكريين والأحزاب السياسية والذي توسط فيه ولد لبات، مستخدماً كل براعته الدبلوماسية وذكاءه وخبرته الطويلة في حلحلة النزاعات، ومدفوعاً أيضاً بالمشاعر العميقة التي يكنها للسودان. وقد كان دوره حاسماً في استعادة زخم المفاوضات التي تهددت بالانهيار بعد مذبحة فضّ الاعتصام الدامية، ثم قادها بعد ذلك إلى النجاح.

 نعم، لقد مرت مياه كثيرة من تحت الجسر على الرغم من الاختراقات التي تحققت على مستوى خروج السودان من قائمة الإرهاب، وشطب جانب كبير من ديونه الخارجية واكتمال هياكل بعثة «يونتيامس» الدولية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية، وعلى الرغم من اتفاقات السلام التي أنجزت مع أجنحة الجبهة الثورية المتمردة خصوصاً.

 فهذه الصورة الزاهية يقابلها في الداخل واقع مخيّب للآمال، من أبرز مظاهره غياب الانسجام والتنسيق واستمرار الخلافات واحتدامها أحياناً بين مكوّنات الحكم وأطراف الشراكة، وسيادة الارتباك وضعف الكفاءة الإدارية للمختارين في مواقع الدولة المختلفة. ومن مظاهر هذه العوامل السالبة استمرار تراجع قيمة العملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية، وانفلات وحش الغلاء الطاحن، وانعدام الأساسيات مثل الدواء والغذاء الصحي والبيئة النظيفة، بما بات يهدد حياة ملايين الأشخاص.

 وفي الجانب الآخر، فإن حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد نور لا تزالان بعيدتين عن توقيع اتفاق للسلام، كما أن إنجاز بند الترتيبات الأمنية بعد اتفاقيات جوبا للسلام لا يزال متعثراً بسبب غياب التمويل، الأمر الذي أفرز واقعاً في غاية الغرابة والخطورة، إذ إن الحركات المسلحة لا تزال تحتفظ بجيوشها وعتادها الحربي، في موازاة الجيش الحكومي، وهو وضع لا مثيل له، ويفاقم مشكلة السيولة الأمنية، يضاف إلى ذلك النشاط المحموم لعناصر النظام المخلوع الساعية لهدم أركان الدولة المدنية.

 نعم، قد لا تبدو الصورة واعدة. لكن بالنسبة إلى الدبلوماسي والقانوني المخضرم فإن المشكلات لا تفقده صوابه. فالرجل يتوفر على قدرة فائقة في إدارة المسائل المستعصية، وعكس مسارات العنف والفشل وجلب التفاؤل من بين براثن اليأس والخيبة. ويعتبر ولد لبات اتفاق الحكومة الانتقالية السودانية أكبر نجاح يحققه الاتحاد الإفريقي في جهوده لحل نزاعات القارة، وقد توقع بُعيد توقيع الإعلان الدستوري حدوث اهتزازات عند تطبيقه، لكنه جزم بأن التراجع عنه مستحيل، وأن التجربة التطبيقية ستعالج عيوبها بمرور الوقت.

 وتتركز زيارة وفد الاتحاد الإفريقي الحالية إلى الخرطوم في التقييم الميداني لأداء وفاعلية الحكومة الانتقالية في إنجاز مهام الفترة الانتقالية، وتقديم الدعم لعملية الانتقال الديمقراطي، وبحث الموقف المتعلق بتنفيذ اتفاقية السلام مع الحركات المتمردة السابقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"