إدلب.. تصعيد ودلالات

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يكن التصعيد «المفاجئ» نوعاً ما الذي شهدته إدلب، في الأيام الأخيرة، والذي بادرت به القوات الحكومية السورية بدعم روسي، شيئاً عابراً ولا رداً على حادثة بعينها، بقدر ما كان تصعيداً مدروساً بعناية، و«منضبطاً» إلى حد بعيد، حمل معه دلالات ورسائل واضحة على أكثر من صعيد.
 فالتصعيد الذي جاء عشية انعقاد الجولة ال 16 من محاثات «أستانا»، وقبل أيام قليلة من انعقاد مجلس الأمن، سعياً إلى تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية  التركية؛ حمل معه رسائل في اتجاهات مختلفة، لعل أبرزها محاولة من جانب موسكو لتذكير أنقرة  شريكتها في «مسار أستانا» بضرورة تنفيذ التزاماتها في اتفاقات «سوتشي»، وموسكو بشأن منطقة «خفض التصعيد»، والكف عن التراخي أو تجاهل فتح طريق «إم 4» الواصل بين حلب وإدلب ودمشق، وانسحاب المسلحين إلى خارج منطقة «خفض التصعيد». وهذا بحد ذاته مقدمة لتذكير أنقرة بأن موقفها الذي أصبح أكثر تماهياً مع الموقف الأمريكي في «معركة المعابر» لجهة تمديد عمل معبر باب الهوى عاماً آخر من دون مرور المساعدات عبر دمشق، الأمر الذي ترفضه موسكو، والذي ستكون له تداعيات كبيرة وخطرة قد لا تبقى محصورة في سوريا؛ بل ربما تمتد إلى كل مناطق الاحتكاك الروسية - التركية في المنطقة.
 القوات السورية التي استخدمت في التصعيد الأخير، أسلحة حديثة ومتطورة (مدفعية ليزرية عالية الدقة وقذائف ذات قدرة تدميرية كبيرة) بتنسيق شبه كامل مع طائرات الاستطلاع والمراقبة الروسية، وجهت بدورها نوعاً آخر من الرسائل؛ مفاده أن دمشق التي انتظرت طويلاً لن تقبل استمرار بقاء إدلب تحت سيطرة الجماعات المسلحة إلى ما لا نهاية، وأنها مستعدة لاستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، إذا ما تحررت من الاتفاقات الروسية  التركية. 
 ومن هنا يمكن النظر إلى التصعيد الأخير، على أنه يستهدف، أولاً: الضغط لإعادة فتح طريق «إم 4»، أو ربط المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق اقتصادياً، على الأقل، بالحكومة المركزية، وثانياً وهو الأهم الضغط لإبعاد الموقف التركي عن الأمريكي في «معركة المعابر» والتي قد تجبر موسكو، على استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن، انطلاقاً من رفضها القاطع لتجاهل التغييرات الميدانية لمصلحة دمشق وعدم الاعتراف بالسيادة السورية على المعابر، وهو ما ترفضه واشنطن مع حلفائها. 
 هذا الوضع يظهر أهمية البحث عن تسوية سريعة للأمر، وربما يكون أحد أهم عناوين جدول أعمال محادثات «أستانا»، التي تسعى إلى التوافق قبل اجتماع مجلس الأمن، على الرغم من الخلافات المتنامية بين الدول الراعية الثلاث؛ إذ من غير المقبول لدى المجتمع الدولي حرمان ملايين السوريين من المساعدات الإنسانية، بينما يدور الصراع على الأدوار والجهات المشرفة على توزيع هذه المساعدات.
 بعض المقترحات تطرح فكرة إشراك ممثلين عن «شركاء أستانا» بديلاً لمشاركة دمشق بصورة مباشرة، وهو ما يبحثه شركاء هذا المسار؛ لكن ليس من المعروف إن كان سيحظى بقبول الحلفاء الغربيين، أم أن الصراع السوري سيذهب في اتجاه أكثر تعقيداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"