جنوب السودان.. أزمة ثقة

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

امتناع الدول عن إقامة الاحتفالات السنوية بمناسبة ذكرى الاستقلال ليس أمراً معتاداً، إلا إذا كانت الدولة المعنية في حالة حرب مثلاً، أو تواجه كارثة طبيعية مدمرة. لكن ذلك حدث هذا العام في جنوب السودان لأسباب مختلفة. فجنوب السودان ليست في حالة حرب في الوقت الراهن، لكنها تعيش حالة أقرب إلى «اللاحرب» و«اللاسلم». من الجانب الآخر، فإن قضية وباء كورونا لم تكن أولوية بهذه الخطورة التي تدعو إلى إلغاء احتفالات الاستقلال السنوية.
وطرحت القيادة السياسية سببين لإلغاء الاحتفالات الشعبية: الأول هو ضعف إيرادات الدولة، والثاني المخاوف من تداعيات الأزمة الصحية. 
وفي الواقع، فإن السببين المذكورين يصلحان للتبرير والتعمية أكثر، فهناك أسباب أخرى أشد أهمية وفي مقدمتها تجربة الحكم الوطني المخيبة للدولة الجديدة التي نالت استقلالها في التاسع من يوليو عام 2011.
ففي الظروف العادية، كان من الممكن أن تقتصر الاحتفالات على استعراض عسكري للجيش يرسخ أهمية المؤسسة العسكرية في الدولة الجديدة، ويدعم مفاهيم الوحدة والولاء الوطني، وسيكون احتفالاً غير مكلف بطبيعته، كما أنه يتيح الحفاظ على قواعد التباعد.
لكن تنفيذ هذه الفكرة يتطلب وجود جيش موحد، وهو شيء غير موجود حالياً مع تعثر عملية الهيكلة والدمج للجيوش المتحاربة، وحيث لا تزال المعارضة التي يقودها نائب الرئيس رياك مشار، تحتفظ بقواتها المسلحة وتعتبر الجيش الحكومي قوات حزبية تتبع للحركة الشعبية التي يقودها الرئيس سلفاكير ميارديت.
كانت ذكرى استقلال صامتة ومثقلة بالأحزان والذكريات الكئيبة، بالنسبة للقادة وأبناء الشعب على السواء. فالزعماء توقفوا عن بذل الوعود؛ لأن التعهدات التي أطلقوها في احتفال الاستقلال الأول بعهود السلام والحرية والعدالة والازدهار القادمة، لم يتحقق منها شيء.
وفي المقابل انخرط القادة في حروب شنيعة بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال، أودت الحرب الأهلية بحياة نحو نصف مليون شخص، وشردت أكثر من أربعة ملايين آخرين، ونشرت الرعب والخراب والجوع على أوسع نطاق.
وبينما لا تزال أشباح السنوات الرهيبة تخيم على سماء هذه الدولة الوليدة في ذكرى الاستقلال العاشرة، فإن اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2018، ما يزال يواجه العراقيل وعجز الزعماء عن ردم هوة الثقة التي أفشلت سلسلة طويلة سابقة من اتفاقات الهدنة ومعاهدات السلام.
لقد تعهد الخصمان (ميارديت ومشار)، في بيانين منفصلين، بعدم العودة إلى الحرب، لكن هذا التعهد وحده قد لا يكون كافياً لاستعادة ثقة مواطنيهم بالداخل ولا ثقة المجتمع الدولي الذي كان دعم استقلال جنوب السودان، بقوة، وسط آمال عريضة بأن تتحول هذه الدولة إلى نموذج يحتذى في الاستقرار والتنمية لدول القارة، لكنه بات يشعر بخيبة أمل كاملة.
وقال مجلس كنائس جنوب السودان في بيان، إنه «ليس هناك كثير للاحتفال به»، مشدداً على غياب الإرادة السياسية لتطبيق اتفاق السلام. وفي إبريل الماضي حذّرت الأمم المتحدة من أن بطء تطبيق اتفاق السلام يعرّض البلاد إلى خطر الانزلاق في «نزاع واسع النطاق».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"