عادي

اللقاح وملامح تاريخ الصحراء الكبرى

19:54 مساء
قراءة دقيقتين
رؤى وأفكار
رؤى وأفكار

ريكو كاواباتا

تُشير سجلات حبوب اللقاح الأحفورية المأخوذة من بحيرة دائمة في جبال الأطلس الكبير في المغرب، إلى أن هطول الأمطار الشتوية على منطقة البحر المتوسط قد أدى دوراً مهمّاً في الحفاظ على الحياة النباتية في الصحراء الكبرى خلال الحقبة الإفريقية الرطبة، وهي الفترة الممتدة بين 14 ألف إلى 5 آلاف سنة مضت، حين كانت معظم المناطق في غرب وشمال إفريقيا أكثر رطوبةً من الوقت الحالي.
فقد غطت الأراضي العشبية والأشجار والبحيرات الصحراء الكبرى في وقت من الأوقات، وثمة تحدٍّ يطرح نفسه باستمرار أمام علماء النماذج المناخية، وهو تجميع السيناريوهات التي ربما تكون قد أدت إلى حقبة «اخضرار الصحراء الكبرى»، ويُرجِّح الرأي السائد في هذا الصدد أن هذا الاخضرار نتج عن تغيير في ميل الأرض أدى إلى زيادة الإشعاع الشمسي الذي يتعرض له نصف الكرة الشمالي خلال فصل الصيف، وهذا بدوره أدى إلى زيادة قوة الرياح الموسمية الإفريقية وتحوُّلها جهة الشمال، غير أن عمليات المحاكاة أظهرت أن الرياح الموسمية الإفريقية القوية لم تكن كافيةً وحدها للإبقاء على اخضرار الصحراء الكبرى.
وأجرى باحثون من فرنسا المغرب وبلجيكا وألمانيا دراسةً طرحت تساؤلاتٍ عن مدى تأثير الرياح الموسمية، وألمحت إلى أن تحوُّل هطول الأمطار الشتوية في منطقة البحر المتوسط صوب الجنوب أدى دوراً حاسماً في اخضرار الجزء الشمالي من الصحراء الكبرى.
ودرس الفريق حقبةً مميزةً من التاريخ في صورة عينة رسوبية يبلغ طولها 8.5 متر استُخرجت من بحيرة تسليت في المغرب، وهذه البحيرة تقع في الحد العلوي لدائرة عرض الرياح الموسمية، وفقاً لما أشارت إليه دراسات سابقة، ما يجعل منها «موقعاً مثاليّاً لتحديد ما إذا كانت المنطقة قد تعرَّضت للرياح الموسمية أم لا»، وفق ما أوضح المؤلف المراسل، رشيد شدادي، اختصاصي علم الأحياء القديمة في جامعة مونبلييه الفرنسية.
وأجرى الباحثون تحليلًا لحبوب اللقاح المحفوظة في العينة الرسوبية، واستخدموا التأريخ بالكربون المشع، ليتمكَّنوا من الاستدلال في نهاية المطاف على أنواع الأشجار والشجيرات والأعشاب التي هيمنت على الجزء الشمالي من الصحراء الكبرى في مراحل زمنية مختلفة على مدار الـ18,500 سنة الماضية.
وتعرَّف الباحثون إلى 78 نوعاً من حبوب اللقاح، من بينها 10 أنواعٍ مائية، كما أنهم عثروا على أدلة تُفيد بارتفاع ملحوظ في أنواع نباتات البحر المتوسط دائمة الخضرة، مثل الزيتون والقيقب والزرود والسنديان خلال الفترة الإفريقية الرطبة، وهو ما يدل على ارتفاع معدل هطول الأمطار في فصل الشتاء وليس فصل الصيف.
ويرى الباحثون أن الصحراء الكبرى الخضراء تُعد مثالًا على التغيُّر البيئي المتطرف، وهو ما يُسلِّط الضوء على الحساسية الاستثنائية التي تتسم بها المنطقة، والحاجة إلى تعزيز الفهم بشأن تقلباتها المناخية المائية.
(مجلة نيتشر)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"