المأخذ الأساسي على تقارير «IPCC»

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد

كل مشتَغل أو مهتم بشؤون قضية التغير المناخي، أو متابع لها، لابد أن يكون قد اطلع على التقارير الدورية للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC)، الذراع الاستشارية لسكرتارية الأمم المتحدة المسؤولة عن متابعة قضية تغير المناخ، بما فيها ملخص الجزء الأول من النسخة السادسة من تقرير الهيئة الذي صدر يوم 7 أغسطس 2021. ولابد أنه مدرك، والحال هذه، لحقيقة أن محور اهتمام وتركيز وتحليل هذه التقارير، هو التخفيف Mitigation، أي خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولا شيء غير التخفيف. حتى خلقت منه الهيئة، أولوية ومسلّمة لدى كافة أطراف مفاوضات المناخ، تهون أمامها كل ما عداها من قضايا تضاهيها في الأهمية والخطورة، مثل التكيف Adaptation، والتمويل، أي تمويل مشاريع التخفيف والتكيف وبناء القدرات في الدول النامية لتمكينها من مقابلة تحديات التغيرات المناخية.

وتأسيساً على هذه «المسلمة»، تقوم IPCC بصياغة تقريرها ذي اللون الواحد، من حيث حصرها لمهمتها (Mandate)، في إبراز وتهويل تكلفة عدم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الكوكب الأرضي، من دون أن تقارب مطلقاً، الكلفة الباهظة للتحول الاقتصادي الهيكلي الذي تدعو إليه، على البلدان المعتمدة كافة مناحي حياتها الاقتصادية والاجتماعية، على المنتجات التي تدعو لتحريمها. لتقوم بعد ذلك لوبياتها المنتشرة بكثرة في بعض وسائط الميديا السائدة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بترويج وتسويق مرئيات الهيئة المدبجة في تقاريرها، ومنها ما ورد في التقرير الجديد، من أنه بموجب سيناريوهات الانبعاثات المبيّنة في التقرير، من المتوقع أن يصل ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى 1.5 درجة مئوية أو 1.6 درجة مئوية في العقدين المقبلين (حوالي عام 2040، أي أن العالم سيصل، بل وسيتجاوز سقف الارتفاع الذي حددته المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ، 60 سنة قبل التاريخ الذي افترضت بلوغه).

ثم إنه ما أن يصدر تقرير جديد للهيئة، حتى تنطلق موجة عاتية من الكتابات التي تدور في فلك استخلاصات التقرير، والتي تُستخدم، أساساً، للهجوم على الوقود الأحفوري وعلى الدول المنتجة للنفط والفحم خصوصاً. فاعتُبرت دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنظمة أوبك لضخ مزيد من الإنتاج النفطي في السوق، بعد أيام قليلة من صدور تقرير الهيئة الجديد؛ وقيام إدارة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، في نفس الوقت تقريباً، بالترويج لاستثمار 4 مليارات دولار لدعم قطاع الفحم، بأنها سياسات مناهضة لجهود مكافحة تغير المناخ.

كل هذا، وعبارة «الوقود الأحفوري»، لم ترد في ملخص التقرير المعَد لصانعي القرار، والذي اكتفى بإعادة اجترار عبارة «التأثير البشري» الغامضة. الجديد واللافت، في تقرير الهيئة الجديد (الجزء الأول منه، وهناك اثنان آخران سيصدران تباعاً مطلع العام المقبل)، إفراد التقرير مساحة خاصة للحديث عن غاز الميثان (وهو الغاز الثاني بعد غاز ثاني أكسيد الكربون في الأهمية من بين غازات الاحتباس الحراري الستة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري)، الذي يقول عنه التقرير بأن مستوياته أصبحت الآن أعلى مما كانت عليه في أي وقت خلال ال800 ألف عام الماضية. ولهذا الغاز (الميثان)، كما يقول التقرير، الذي يتم إطلاقه في الغلاف الجوي من مناجم الفحم المهجورة، ومن العمليات الزراعية، ومن منشآت النفط والغاز، تأثير عظيم في الاحترار العالمي يفوق 84 مرة تأثير ثاني أكسيد الكربون خلال فترة 20 عاماً. وهو مسؤول، كما يذهب التقرير، عما يقرب من ربع الاحترار العالمي. لكن، وعلى الرغم من تأثيراته الخطيرة هذه على الاحتباس الحراري، إلا أنه لم يحظَ سوى باهتمام أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون، ولم يتم تضمينه في تعهدات المناخ في معظم البلدان.

هذه «التغطية الخاصة» لغاز الميثان في التقرير، من شأنها أن تدفع لوبيات المناخ لتكثيف الضغوط من أجل فرض مراقبة وتنظيم أقوى على منشآت النفط والغاز. كما أن الجرعة المتزايدة من إلقاء اللوم على النشاط البشري فيما يحدث من ظواهر مناخية متطرفة، ستشجع ضحايا هذه الكوارث، خصوصاً الفئات الضعيفة، على التماس الإنصاف في المحاكم من شركات إنتاج النفط والفحم. وهناك تحريض صريح ومتماد بهذا الخصوص، وصل حد إقامة دعاوى في المحاكم المحلية وفوق القومية.

هذا يعني، أن الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ IPCC، ما زالت «أمينة» لخط سيرها الأحادي الجانب؛ وإنها غير مستعدة بعد لإحداث التوازن المطلوب في تقاريرها بما يعكس جوهر اتفاق باريس للمناخ، الذي لولا توافق أطرافه المختلفة على وصفة التوازن والعدالة في الاهتمام بقضايا المناخ الثلاث الرئيسية: التخفيف، والتكيف، والتمويل، كحزمة واحدة، لما رأى الاتفاق النور في اليوم الإضافي للمفاوضات التي شهدتها قاعات معرض مطار باريس لو بورجيه مساء الثاني عشر من ديسمبر 2015.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"