عادي
91 عاماً بين الاقتصاد القديم والجديد

وارين بافيت.. إمبراطورية لا تشيخ

20:40 مساء
قراءة 5 دقائق
وارين بافيت
دبي: هشام مدخنة

مع بلوغه سن ال 91 عاماً، يخطو المستثمر الأسطوري وارن بافيت خطوات جديدة في مسيرته المهنية الحافلة. مسيرةٌ أظهر بافيت من خلالها حرصه على الاستفادة من الاقتصاد القائم على التكنولوجيا خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، وعزز تمدد إمبراطورية «بيركشاير هاثاواي» وثبات عرش خليفته في نهاية المطاف.

لا يخفى على أحد أن جوهر الأعمال التشغيلية للمجموعة العملاقة يعتمد على خليط من الشركات التي رسمت العمود الفقري للاقتصاد التقليدي، من السكك الحديدية والبطاريات، إلى التأمين والمفروشات، وانتهاءً بقطاع التجزئة. وبسبب التوجه الاقتصادي القديم، غفلت بيركشاير عن النمو الهائل الذي شهدته «أمازون» على مر السنين القليلة الماضية. لكن عرّاب أوماها لا يفوته شيء، وأظهر انفتاح شابٍّ في ربيع العمر على الاستثمارات الحديثة التي تبتعد عن جوهر الاقتصاد القديم للمجموعة لتتكيف مع الواقع الجديد.

حصة في «أبل»

شعار أبل
شعار أبل على متجر الشركة في نيويورك

ووفقاً لموقع «إنسايدرسكور»، نمت أسهم التكنولوجيا إلى 45% في محفظة بيركشاير هاثاوي الاستثمارية، والفضل بذلك يعود لحصتها الضخمة في شركة أبل. وتضخمت استثمارات الشركة في أبل، والتي بدأت لأول مرة في عام 2016، إلى أكثر من 120 مليار دولار، لتصبح بذلك أكبر حصة في الأسهم تملكها بيركشاير على الإطلاق، وهو خلاف ما كان عليه الحال قبل عشر سنوات، حين أظهرت حيازات الأسهم الضخمة في المجموعة «القليل جداً» من الشغف التقني باستثناء استثمارها في شركة «آي بي إم».

الاستحواذ قبل الطرح

وللرهان على النمو، انغمست بيركشاير في الاكتتابات العامة الأولية خصوصاً الاستثمار في قطاعات تقنية قبل طرحها، وهو ما سخِر منه المستثمر الأشهر ذات مرة، لكن يُعتقد أن مساعدي بافيت تود كومبز وتيد ويسشلر هما من أقنعاه، وكانا وراء هذا التحول الجذري والمهم نحو الاقتصاد الجديد الذي يضمن الكثير من المرونة في محفظة الاستثمار، ويتعارض مع سياسة بيركشاير هاثاوي في وقت سابق.

واستثمرت المجموعة في شركة ستون كو StoneCo البرازيلية للتكنولوجيا المالية في غضون أيام من الاكتتاب العام الأولي عام 2018، ونمت حصتها إلى أكثر من 700 مليون دولار بفضل تضاعف سعر السهم منذ طرحه للتداول أول مرة. وخلال ذلك العام، اشترت بيركشاير أيضاً حصة في أكبر شركة مدفوعات رقمية ناشئة في الهند، «باي تي إم Paytm»، التي تقدمت هي الأخرى بملفها للاكتتاب العام.

الحوسبة السحابية

وفي الربع الثالث من عام 2020، اشترى التكتل الضخم ما قيمته 250 مليون دولار من أسهم «سنوفليك Snowflake»، المتخصصة بالحوسبة السحابية، وبسعر الاكتتاب العام الأولي، كما اشترى أكثر من 4 ملايين سهم إضافية من مساهم آخر بالسعر الفعلي.

وشهد يونيو/حزيران لهذا العام، أحدث استثمارات بيركشاير في قطاع التكنولوجيا من خلال استحواذها بقيمة 500 مليون دولار على البنك الرقمي البرازيلي نوبنك Nubank، في ظل استعداده للاكتتاب العام في السوق الأمريكية وتوقعات بحصول البنك على تقييم بأكثر من 40 مليار دولار في الطرح الأولي المستهدف، ما قد يجعله أحد أكبر الاكتتابات العامة لشركات أمريكا الجنوبية.

وكان بافيت، رجل الأعمال الرائد في اقتناص الاستثمارات والاحتفاظ بها، صريحاً بشأن رفضه شراء أسهم الشركات قبل طرحها العام في السوق، بوصفها ليست أساساً سليماً للاستثمار، وقارن ذلك سابقاً بمحاولات الفوز باليانصيب. وكان آخر استثمار شبيه أجراه بافيت قبل الفورة الأخيرة متمثلاً بأسهم شركة فورد حين ظهورها الأول عام 1956.

أكثر ديناميكية

وقالت كاثي سيفرت، المحللة الاقتصادية في «CFRA»: «إن محفظة الأسهم اليوم أكثر ديناميكية مما كانت عليه قبل 10 أو 15 عاماً مع وجود كومبز وويسشلر على رأسها. ومن المؤكد أنهما سيلتهمان مزيداً من أسهم الاقتصاد الجديد».

ومع زيادة تعرضها التكنولوجي إلى حوالي 45% من أصل محفظتها الضخمة، تجاوزت بيركشاير بعضاً من تحدياتها المالية الكبيرة مؤخراً، إثر تقليص حصتها في كل من «جيه بي مورجان تشيس»، و«ويلزفارجو»، و«بي إن سي فاينانشال». ومع ذلك لا يزال التكتل يمتلك حصصاً كبيرة في «أمريكان إكسبريس» و«بنك أوف أمريكا».

سؤال بـ 100 مليار

وارين بافيت
وارين بافيت

يتساءل المراقبون المتعصبون عاماً بعد عام متى سيُبرم الملياردير الشهير صفقة استحواذ ضخمة تعادل قيمتها ال 100 مليار دولار؟ لكن بالنظر إلى نهج التقييم المنضبط الذي يسلكه بافيت، قد تخيّب الإجابة آمال الكثيرين منهم. إذ وصف جريجوري وارن، محلل الأسهم في «مورننج ستار» الأمر بالقول: «أعتقد أن ما يمنع بافيت من القيام بأي صفقة ضخمة جداً هو أنه لا يرغب بأن تكون الصفقات التي يبرمها، والتي سيتم تذكره بها، كارثية، كما أنه لا يريد أن يعرقل طريق الرجل الذي سيخلفه بأمور قد لا تساعده».

من جانبها ترى كاثي سيفرت أن «المستثمرين يتفهمون حقيقة عدم إبرام بيركشاير صفقة ضخمة بهذا الحجم، وأنهم ما زالوا يثقون في حكمة بافيت وفطنته بشكل خاص بالنظر إلى التقييمات الحالية».

إلى ذلك، بلغت الكومة النقدية لبيركشاير في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي 144 مليار دولار، ولا تزال قريبة من مستوياتها القياسية على الرغم من برنامج إعادة الشراء الهائل للشركة.

ولعقود من الزمان، اعتادت الشركات في شتى أنحاء العالم أن ترمي نفسها في حضن بافيت الدافئ، أحد أكبر أكبر الحيتان الاقتصادية مع كمية هائلة من السيولة. وعلى عكس عمليات الاستحواذ ذات الرافعة المالية المتغيرة، تعتبر بيركشاير مشترياً رابحاً ودائماً يمنح الشركات الاستقلالية لإدارة أعمالها.

ومع ذلك، تعرضت الأسهم الخاصة في المجموعة لهزات متتالية في السنوات الأخيرة مع انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، وتدفق المشترين الجدد من شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة «سباك SPAC» الذين جاؤوا بعروض أكثر جاذبية مرتبطة ب «الاكتتابات العامة الأولية».

إعادة شراء الأسهم

بدلاً من عقد الصفقات، ركزت بيركشاير على إعادة رأس المال للمساهمين، حيث أعادت الشركة شراء 6 مليارات دولار من أسهمها في الربع الثاني فقط لهذا العام، ليصل إجمالي ستة أشهر إلى 12.6 مليار دولار، أي حوالي نصف قيمة مشترياتها من أسهمها الخاصة العام الماضي، وبرقم قياسي بلغ آنذاك 24.7 مليار دولار.

تنظر الشركة إلى عملية إعادة شراء الأسهم بعقل وارن بافيت المدبّر، وتعتبرها الطريقة الأمثل لزيادة السيولة النقدية على المدى القريب، ونوعاً من أنواع التصحيح في السوق. وبفضل هذا النهج، محا سهم بيركشاير من الفئة «ب» الأرقام السلبية التي جلبها معه الوباء، وصعد سريعاً إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بنحو 23% في عام 2021.

ولادة برنامج

يُفضل بافيت شراء أسهم الشركات الأخرى مباشرة منذ فترة طويلة، دون اللجوء إلى عمليات إعادة الشراء، وخلال الاجتماع السنوي لعام 1999 قال إنه لن يقوم بإعادة شراء أسهم بيركشاير ما لم تكن أقل من قيمتها بكثير. إلى أن جاء العام 2011، الذي شهد ولادة برنامج إعادة شراء أسهم الشركة على يدي بافيت من جديد. وفي عام 2018، أعلن مجلس إدارة الشركة عن إلغاء الحد المسموح به لإعادة شراء الأسهم لتعزيز عمليات الشراء حين ترى الشركة أن السعر أقل من القيمة الجوهرية لبيركشاير.

يتفق معظم المحللين على أن إرث وارن بافيت سيتم تقييمه ليس فقط بناءً على ما قام به في السنوات الخمسين الأولى من عمره، ولكن على ما فعله خلال السنوات الخمس الماضية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"