عادي
دراسة: 68 % من القادرين مادياً لا يعرفون القيمة

الزكاة.. فريضة لا تسقط بالجهل

00:14 صباحا
قراءة 7 دقائق
د. نصر فريد واصل
د. عباس شومان
د. محمد نبيل غنايم

القاهرة: بسيوني الحلواني

الزكاة ركن أساسي في الإسلام ونظاميه الاقتصادي والاجتماعي، باعتبارها فريضة تحقق التكافل، لكن كثيراً من أحكامها غائب أو مغلوط في أذهان البعض، وهو ما يستدعي التوضيح والتصحيح.

وكشفت دراسة استقصائية أجريت مؤخراً بجامعة الأزهر عن جهل 68% ممن شملتهم من القادرين مادياً والمطالبين بها شرعاً بأحكام الزكاة ومقدارها في أموالهم وتجارتهم، وأن كثيراً منهم ينفقون من أموالهم على الفقراء وأصحاب الحاجات دون حساب أو معرفة دقيقة بأن ما يخرجونه هو المقدار المطلوب منهم شرعاً أو يزيد أو ينقص. وبينت الدراسة تقصير كثير من النساء في إخراج زكاة حليهن ومدخراتهن؛ لاعتقادهن أن ما يخرجه الزوج يكفي عن الأسرة كلها.

نتائج هذه الدراسة الاستطلاعية ليست حالة خاصة بمجتمع؛ بل هي حالة موجودة في كل المجتمعات الإسلامية، وهو ما يستدعى الرجوع لعلماء الدين لاستجلاء حقيقة الموقف الشرعي من سلوك هؤلاء.

يؤكد د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، أنه لا عذر لهؤلاء في الجهل بأحكام الدين؛ إذ يجب على كل مسلم أن يتعلم أحكام دينه، وأن يعلم ما يجب عليه وما يحرم، وأن كل صاحب مال تجب فيه الزكاة مطالب شرعاً بأن يتعلم كيفيتها ومقدارها.

ويقول: من لا يعرف عليه أن يذهب إلى علماء الفتوى وهم موجودون في كل مكان، ومن ليس لديه الوقت، أو يسيطر عليه الكسل والتراخي لتعلم أحكام دينه، في يده هاتف نقال من خلاله يمكن أن يتعرف إلى مقدار الزكاة في كل صنف من صنوفها ويطبقها على حالته، فالأمر سهل.

ويوضح مفتي مصر الأسبق أن الزكاة عبادة واجب المسلم أن يؤديها كما ينبغي لها أن تؤدى، كما أن لها آداباً وأخلاقيات يجب أن تؤدى في إطارها حتى تحقق مقاصدها الشرعية. ويضيف: لا ننصح المزكين بأن يخرجوا أموالاً للفقراء كل بطريقته الخاصة دون معرفة آداب الزكاة وأخلاقياتها، فهي عبادة مالية لها أهداف كثيرة من المهم أن يلم بها الإنسان المعني بها حتى يتحصل على كل الأجر والثواب من زكواته.

إهمال

يحذر د. نصر فريد واصل كل مسلم قادر مادياً وعليه زكاة من إهمال هذه الفريضة. ويقول: الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، وتكرر الحديث عنها في القرآن الكريم في أكثر من ثمانين آية، وفي أكثر الآيات نراها مقترنة بالصلاة، وحدد الخالق عز وجل المستحقين للزكاة في قوله سبحانه في سورة التوبة: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم». والمراد بالصدقات الزكاة المفروضة والفقير: هو من له أدنى شيء من المال، أو هو من لا يملك المال الذي يقوم بحاجاته الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.. والمسكين من لا شيء له، فيحتاج إلى سؤال الناس لسد حاجاته ومطالب حياته. وقيل: المسكين هو الذي له مال أو كسب ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون قريب الشبه بالفقير. وهذان الصنفان هما الغالبان الآن إلى جانب الغارمين، وهم الذين لزمتهم الديون في غير معصية لله، ولا يجدون المال الذي يدفعونه لدائنيهم فيعطون من الزكاة ما يعينهم على سداد ديونهم.

ويحث مفتي مصر الأسبق المسلمين في كل مكان على عدم التكاسل عن الزكاة أو التغافل والانشغال عنها، فهي فريضة قررها الخالق عز وجل على كل مال بلغ النصاب، فهي جزء محدد من المال الذي يبلغ النصاب يدفعه المسلم لمستحقيه الذين ورد ذكرهم في الآية السابقة.

ويقول: هذه الفريضة تحدث عنها القرآن الكريم وحثنا على الالتزام بها وبين لنا فضل الحرص عليها، ولأهميتها ذكرها الله سبحانه وتعالى بعد الصلاة مباشرة، ولذلك وصفها فقهاء الإسلام بأنها الفريضة الثانية، وإلى جانب الآيات القرآنية الكريمة التي حثت على أداء الزكاة يوجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة إلى الحرص على أداء هذه الفريضة بكل رغبة وإخلاص وهو القائل: «حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع».

كما حذر الله عز وجل من إنكار هذه الفريضة أو إهمالها فقال سبحانه: «وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: «مانع الزكاة يوم القيامة في النار»، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين» أي: أنزل الله عليهم القحط وأصابهم بالفقر.

عشوائية

د. عباس شومان، وكيل الأزهر السابق والمشرف العام على مراكز الإفتاء بالأزهر يتفق مع د. واصل في أنه لا عذر لمن يجهل تعاليم دينه، خاصة تلك المتعلقة بما عليه من زكاة ويخرجها بشكل عشوائي لا يفي بها، ولا يحقق مقاصدها الشرعية. ويقول: مصادر الحصول على العلم الشرعي المتعلق بالعبادات والمعاملات أصبح ميسوراً عن ذي قبل؛ حيث يسرت وسائل الاتصال والتواصل العصرية الأمر لكل إنسان وأصبح بمقدوره أن يحصل على ما يريد من أحكام شرعية وهو قابع في مكانه دون عناء عن طريق الهاتف أو الإنترنت.

ويضيف: الزكاة عبادة مالية، وكل عبادة مالية تحتاج إلى الوفاء بها على الوجه الشرعي الصحيح العلم بها، وكيفية أدائها، ولو كلف كل إنسان نفسه ودخل على موقع من مواقع العلم الشرعي الموثوق بها لوجد كل ما يريد معرفته من أحكام شرعية تتناول الزكاة وغيرها من العبادات دون عناء، لكن البعض يستسهل الأمر ويخرج بعض الأموال اعتقاداً بأنه أخرج الزكاة، وهو في الحقيقة لم يف بما عليه من مال، وبذلك لا تسقط عنه فريضة الزكاة.

ويشدد د. شومان، على ضرورة نشر ثقافة الإنفاق خاصة في ظل وجود تقارير تؤكد شح النفوس في التعامل مع الزكوات والصدقات التطوعية وبذلك تنحصر جهود التكافل الاجتماعي والإنساني. ويقول: الله سبحانه وتعالى يحثنا على الإنفاق في وجوه الخير، وبعض هذا الإنفاق مفروض وواجب عن طريق الزكاة، وبعضه تطوعي بالصدقات التطوعية والوقف الخيرى، والمجتمعات الإسلامية المعاصرة في حاجة إلى كل هذا العطاء الإنساني، وعلى كل مسلم أن يتأمل قول الحق سبحانه:«آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِير»، ففي هذه الآية الكريمة ترسيخ عميق في نفس المؤمن بأن المالك الحقيقي لكل شيء في هذا الوجود هو الله والإنسان مجرد مستخلف عليه.

لذلك ينصح المسؤول الأول عن الإفتاء بالأزهر صاحب كل مال أن يقرأ ويتعلم كيفية إخراج ما عليه من واجبات تجاهه، ويقول: على الإنسان أن يدرك الأحكام الشريعة المتعلقة بما أنعم الله به عليه من مال، وأن يفهمها جيداً، وأن يدرك الحكمة منها، ليؤدي حق الله فيما بين يديه من مال الله.

ويوضح د. شومان أن فلسفة الإسلام في إنفاق الأموال جعلت ما يمنحه الأغنياء للفقراء حقاً وفريضة، أي أن أموال الزكاة هي حق للفقراء وليست منة من الأغنياء، وفريضة وركن من أركان الإسلام، وهو ما يجعل الفقير لا يشعر بنقص أن تمتد يد الغني إليه، ويجعل الغني لا يشعر بمنة أو فضل أن امتدت يد الفقير، وهو ما يضمن للمجتمع تماسكه. ولذلك كان من أهم آداب وأخلاقيات الزكاة أن يخرجها الإنسان وهو في حالة من التواضع ولا يتفاخر بها ولا يسيء للآخذ وهو يقدمها له؛ بل يعطى له بطيب نفس وحب ورغبة في أن ينال رضا الخالق وأن يطهر ماله بها، فالقرآن الكريم يقول: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».

توبة واجبة

د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، يؤكد ضرورة معرفة كل مسلم بأحكام دينه خاصة تلك التي تتعلق بالعبادات أو المعاملات، فضلاً عن الآداب والأخلاقيات العامة التي توجه سلوك الإنسان لكل ما هو أخلاقي ومنضبط من السلوك.

ويضيف: لم يعد هناك عذر لشخص في عدم الإحاطة بكيفية أداء الصلاة على وجهها الصحيح، أو عدم الإلمام بطريقة إخراج ما عليه من زكوات وقدرها، فالأحكام الشرعية أصبحت متاحة للجميع وبوسائل سهلة وسريعة، ومن يجهل ويخطئ في تطبيق تعاليم دينه ويلحقه الإثم فلا يلومن إلا نفسه.

ويقول: من يؤخر زكاة ماله متحججاً بعدم المعرفة فهو آثم، وإن كان جاهلاً فعلاً فعليه أن يتوب من تقصيره في طلب العلم، وجهله هذا لا يسقط الزكاة الواجبة عليه وإن أخرها سنين؛ لأنها دين في ذمته لا يبرأ إلا بقضائه.

ويؤكد غنايم، أن الزكاة كلها مكاسب ومنافع للمجتمع، ومن المكاسب ما يعود على المعطي قبل الآخذ، فهي تطهر مال الغني وتزكي نفسه وتصرف عنه مشاعر الحقد والحسد التي قد تسيطر على الفقراء الذين لا ينتفعون من ورائه.

أكثر عطاء

د. أمنة نصير، الأستاذة بجامعة الأزهر، ترد على من يتهم النساء بإهمال الزكاة وتقول: المرأة أكثر عطاء من الرجل فيما يتعلق بالزكوات والصدق.. ربما تكون غير مدركة لما عليها تحديداً من زكاة، وتخرج بعض أموالها للفقراء وأصحاب الحاجات بشكل فطري دون حساب، لكن من المهم أن تعرف كل امرأة أن لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، وأنها مطالبة بالزكاة مثله، فلو بلغ مالها نصاب الزكاة وهو ثمن 85 جراماً من الذهب عيار 21 ومر عليه الحول، أي سنة هجرية، وكان زائداً عن حاجتها فعليه زكاة وهي 2,5 % منه، ولو كان المال مستثمراً في أوعية ادخارية فزكاته 10% من قيمة العائد كما أفتى بذلك بعض الفقهاء.

وعن حكم زكاة حلي المرأة، يقول د. أحمد ممدوح مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: حلي المرأة من الذهب والفضة المتخذ للاستعمال الشخصي، أي للزينة، لا تجب فيه الزكاة مهما بلغ حجمه على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وهو المختار للفتوى في دار الإفتاء المصرية.

أما لو اشترى شخص، رجلاً أو امرأة، ذهباً بغرض التجارة، أو استثمار المال، فعليه زكاة التجارة، وتُحسب بعد بلوغ النصاب وهو خمسة وثمانين جراماً، ويحول عليه الحول، بمقدار 2.5 % على إجمالي المبلغ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"