بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة حكاية متفاوتة

21:56 مساء
قراءة 4 دقائق

جيتا جوبيناث *

يواصل التعافي الاقتصادي العالمي مساره الصحيح، في ظل فجوة متزايدة بين الاقتصادات المتقدمة وبين كثير من اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية. ولم تتغير أحدث توقعاتنا للنمو العالمي البالغة 6% في عام 2021، ولكن مكونات النمو هي التي تغيرت.

فقد تحسن النمو المتوقع للاقتصادات المتقدمة هذا العام بنسبة 0.5%، مقابل خفض موازٍ في توقعات النمو لاقتصادات الأسواق الناشئة والنامية. وبالنسبة لعام 2022، نتوقع أن يبلغ النمو العالمي 4.9%، صعوداً من 4.4% في الإشارات السابقة. ويرجع الارتفاع هنا إلى ترقيات كبيرة في التوقعات الخاصة بالاقتصادات المتقدمة، وترقيات أكثر تواضعاً لاقتصادات الأسواق الأخرى. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الجائحة خفضت نصيب الفرد من الدخل بمقدار 2.8% سنوياً في الاقتصادات المتقدمة، مقارنة باتجاهات ما قبل الجائحة، في مقابل خسارة سنوية في نصيب الفرد من الدخل بقدار 6.3% سنوياً في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين).

تعكس هذه التعديلات بدرجة مهمة، أيضاً، الفروق في تطورات الجائحة بين الاقتصادات مع وصول المتحور دلتا إلى صدارة السلالات المسببة للعدوى، حيث أدت معدلات التطعيم الأسرع من المتوقع، وعودة الأوضاع الطبيعية إلى رفع التوقعات، في حين أسهم عدم توافر اللقاحات وموجات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا في بعض البلدان  ومن أبرزها الهند  في تخفيضها.

وتمثل تفاوتات الدعم المقدم من الحكومات المصدر الثاني للهوة التي تزداد عمقاً. فنحن نرى الدعم الكبير والمستمر الذي تقدمه الاقتصادات المتقدمة من ميزانيتها العامة، حيث أعلنت عن توافر 4.6 تريليون دولار لتمويل تدابير متعلقة بالجائحة في عام 2021، وما بعده. وتعتمد معظم الزيادة في توقعات النمو العالمي لعام 2022 على الدعم المالي الإضافي المنتظر تقديمه في الولايات المتحدة، وخطة تمويل الجيل القادم للاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى، انتهت في العام الماضي المدة المقررة لمعظم تدابير الدعم التي اتخذتها اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية، وهي تنظر الآن في إعادة بناء هوامش الأمان في ماليتها العامة؛ إذ بدأت البرازيل وهنغاريا والمكسيك وروسيا وتركيا في رفع أسعار الفائدة النقدية، لدرء ضغوط الأسعار ومشكلات التضخم.

تمثل تداعيات ما بعد الصدمة الناجمة عن اضطرابات العام الماضي، تحديات فريدة على صعيد السياسات. فالطلب المكبوت واختناقات سلاسل الإمداد، يفرضان ضغوطاً رافعة للأسعار. ومع ذلك، من المتوقع أن يتراجع التضخم في معظم الاقتصادات المتقدمة ليصل إلى نطاقات ما قبل الجائحة في عام 2022، لأسباب متعددة، منها عوامل تتعلق بالقطاعات المتأثرة بالجائحة كالسفر والضيافة، ومعدلات تشغيل العمالة، والنطاقات الطبيعية لنمو الأجور بعد تحسن التدابير الصحية وانتهاء السياسات التسهيلية المفرطة.

لا يزال هذا التقييم يخضع لقدر كبير من عدم اليقين، نظراً للطابع غير المسبوق الذي يتسم به التعافي. كما تمثل الاضطرابات المستمرة في سلاسل التوريد، والارتفاع الحاد في أسعار المساكن عوامل أساسية يمكن أن تقود التضخم إلى مزيد من الارتفاعات المزمنة. وعليه، فمن المتوقع أن يظل التضخم مرتفعاً في عام 2022 في بعض اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية؛ الأمر الذي يرتبط في جانب منه باستمرار ضغوط أسعار المواد الغذائية، وانخفاض قيم العملات، مما يخلق هوة أخرى بين بلدان العالم واقتصاداتها. وبينما يمكن أن يؤدي ازدياد فرص الحصول على اللقاح إلى تحسين الآفاق المتوقعة، فإن ميزان المخاطر الكلية يميل إلى الجانب السلبي. فظهور سلالات متحورة من الفيروس، شديدة العدوى، قد يحرف التعافي عن مساره ويمحو ما يعادل 4.5 تريليون دولار من إجمالي الناتج المحلي العالمي على أساس تراكمي بحلول عام 2025. وقد يتم أيضاً، تشديد الأوضاع المالية بصورة مفاجئة في ظل تقييمات الأصول المفرطة إذا حدثت إعادة تقييم مفاجئة لآفاق السياسة النقدية، وخاصة في الولايات المتحدة. ومن المحتمل كذلك، أن يكون الإنفاق التحفيزي في الولايات المتحدة أضعف مما كان متوقعاً. ومن شأن تفاقم الجائحة وتشديد الأوضاع المالية أن يوجها ضربة مزدوجة لاقتصادات الأسواق الأخرى، مع انتكاسة حادة في مسيرتها نحو التعافي.

ومن الأولويات ذات الصلة، ضمان احتفاظ الاقتصادات التي تعاني من قيود مالية، بإمكانية الوصول إلى السيولة الدولية. فينبغي للبنوك المركزية الكبرى، الإفصاح بوضوح عن توقعاتها للسياسة النقدية، وضمان ألا تتسبب مخاوف التضخم في سرعة تشديد الأوضاع المالية، واستكمال التخصيص العام لحقوق السحب الخاصة بما يعادل 650 مليار دولار (منها 250 مليار دولار لاقتصادات الأسواق الناشئة والنامية)، على النحو الذي اقترحه صندوق النقد الدولي من أجل توفير السيولة الوقائية للبلدان، ومساعدتها على معالجة احتياجات إنفاقها. 

وهناك حاجة لتحرك أقوى يضمن نجاح «الإطار المشترك» الذي وضعته مجموعة العشرين لضمان إعادة هيكلة الديون للبلدان التي تجاوزت ديونها بالفعل الحدود المستدامة.

أما التحدي المشترك الآخر، فهو تخفيض انبعاثات الكربون، وإبطاء وتيرة الارتفاع في درجات الحرارة العالمية لتجنب نتائج صحية واقتصادية كارثية. وسيتطلب الأمر استراتيجية متعددة الجوانب تتمحور في معظمها حول تسعير الكربون. فينبغي استخدام الإيرادات التي تحققها آليات التسعير المنتظرة في تعويض المتضررين من التحول في مصادر الطاقة.

* المستشار الاقتصادي في صندوق النقد الدولي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المستشار الاقتصادي لصندوق النقد الدولي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"