التجربة المشؤومة وعودة الوعي

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

الشعوب يمكن أن تنخدع بعض الوقت، لكن من المستحيل خداعها كل الوقت، ومن يطالع صفحات التاريخ يجد أن معظم شعوب الدنيا قد تعرضت للخداع، إما من قبل ديكتاتور باع لها الوهم، أو أحزاب أو جماعات مصالح رفعت شعارات براقة استحوذت من خلالها على عقول وقلوب بسطائها، وبعد قليل أو كثير من الوقت انكشف المستور وظهرت حقيقة الديكتاتور أو الجماعة أو الحزب المخادع، ليلقي به هذا الشعب أو ذاك في قاع القاع بعد أن كان قد رفعه إلى القمة.

شعوبنا العربية ليست استثناء، وقد تعرضت لأشكال من الخداع عبر تاريخها وانساقت وراء شعارات مضللة أو وعود زائفة في مراحل مختلفة، وبعد أن انجلت أمامها الحقائق تغيّرت مواقفها وغيّرت واقعها، وهو التغيير الذي اتخذ أشكالاً وألواناً، فقد كان أحياناً سلساً وسلمياً، وأحياناً أخرى كان صعباً ودموياً.

آخر المخادعين والمنكشفين في العالم العربي هم «الإخوان»، الذين أطلوا منذ أكثر من ٩٠ عاماً في مصر من خلال شعارات تعزف على وتر الدين وتستغل سطوته عند الناس وانتشروا في مصر كما النار في الهشيم لينخروا في عقول البسطاء كما السوس، ومن مصر تسللوا إلى الدول العربية المختلفة، وفي ظل ضعف السلطة أحياناً وتواطؤها أحياناً تمكنت هذه الجماعة شعبياً، واستحوذت على مشاعر قطاعات جماهيرية عريضة، وبدأت رحلة الصراع على السلطة بسياسة الترغيب بالوعود الوهمية والترهيب من عواقب عدم فسح المجال لها لتسطو على الدول وتحكم الشعوب وتتحكم في الإرادات وتعبث بالجغرافيا، والتهديد بالخراب والدمار والويل والثبور للشعوب والدول التي تقاوم تمكينها.

وكانت فوضى الربيع العربي هي وسيلتها لامتطاء الشعوب، متوهمة أن مجرد وصولها للحكم في بعض الدول سيسهل لها تحقيق المراد في باقي بلاد العرب، وسيضمن لها البقاء على العروش إلى الأبد، غير مستوعبة أن قيادة الدول ونيل رضا الشعوب لا يتحقق بالشعارات والأكاذيب، ولا يدوم سوى بالأفعال والحقائق. ولأنها جماعة لا تجيد سوى الكلام ودغدغة مشاعر الناس وإزهاق أرواح الأبرياء من المخالفين لها ونشر الفكر المتطرف والترويج لثقافة العنف، عجزت عن الفعل وانكشفت أمام الشعوب، فهي عنوان للفشل السياسي والخراب الاقتصادي والتفتت الاجتماعي والضياع المجتمعي، وأمام هذه الحقائق تحركت الشعوب للخلاص من الكابوس «الإخواني» ولوضع النهاية لقرن من التضليل والاتجار بالدين.

آخر الدول التي شهدت سقوطاً «إخوانياً» مريعاً، كانت المملكة المغربية، التي وجهت لحزب «العدالة والتنمية» «الإخواني» صفعة فاجأت الجميع في الانتخابات التشريعية والجهوية.

الشعوب العربية لفظت «الإخوان»، وتعددت أساليب اللفظ من دولة لأخرى، ومنذ أن ثار عليهم الشعب المصري في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ليخلعهم ويودع قياداتهم السجون، وكل ما يحدث لهم في دول أخرى يؤكد أنه كان على صواب عندما خرج بكل فئاته ليهتف «يسقط حكم المرشد»، ولعل أحداً لم يتوقع أن يسقط هذا الحكم الباغي في جميع الدول العربية.

ففي السودان جاء السقوط مشابهاً لمصر عندما خرج الشعب السوداني ثائراً واستجاب لإرادته الجيش ليتم خلع حكم البشير، وفي تونس حصل «الإخوان» على فرصتهم وتربع الموالي لهم المنصف المرزوقي على عرش البلاد، وسطت حركة «النهضة» على القرار السياسي بعد سيطرتها على البرلمان، لتقود الدولة إلى الإفساد السياسي والانهيار الاقتصادي وهو ما فرض على الرئيس قيس سعيد التدخل للإنقاذ بإجراءات عبّرت عن إرادة الشعب التونسي الذي رفض أي حوار مع هذا الفصيل الضال.

في المغرب، حصل «الإخوان» على فرصتهم كاملة ومنحهم الملك الحق الذي فرضته نتائج الانتخابات على مدار عقد كامل، ومثلما رفعهم الشعب المغربي إلى مقاعد الحكم والقرار، هوى بهم إلى القاع بعد أن فقد ثقته فيهم واكتشف عن أنهم عاجزون عن تحقيق التنمية المبتغاة، وأنهم لا يجيدون سوى الكلام.

السنوات العشر الأخيرة، شهدت تحولات غير مسبوقة في العالم العربي، ولو كانت تمثل عقد منح الفرصة ل«الإخوان» فإنها أيضاً تمثل عقد تطهير العقول من الفكر «الإخواني» وتطهر الدول من فسادهم وبغيهم، وبعد أن انكشف المستور نأمل أن تشهد السنوات المقبلة مزيداً من عودة الوعي العربي بما لا يسمح بتكرار هذه التجربة المشؤومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"