الرفاهية قيمة تاريخية

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

يسجّل التاريخ الأحداث في زاوية ما من الزمن، ليأتي المؤرخون فيما بعد بإدراجها وتثبيتها لتكون شاهدة على إنجاز لا أحد يستطيع محوه من الذاكرة. والتاريخ هو القادة الذين يصنعون مفاصله وسياقاته، يسجل بعضهم في سجل الشرف قياساً لمدى خدمتهم للبشرية، ويسجل غيرهم في سجل الخزي قياساً لما أفسدوا به البشرية.

والتاريخ في هذا انتقائي جداً، إما أن ينحني أمام الهامات وإما أن يصب جام غضبه ولعناته على الشخوص، لكنه في المحصلة يغربل ويصفّي ويبقي على الفضيلة التي يخلدها التاريخ الإنساني، والفضيلة تُحسب بمخرجاتها ذات الصلة برفاهية الإنسان، والرفاهية قيمة اقتصادية وثقافية واجتماعية، هي قيمة حضارية يتغنّى بها الناس على مر العصور.

والتاريخ ماض وحاضر ومستقبل، ماض مُنجز، وحاضر يُنجز، ومستقبل يحمل في طياته ما أنجز ويُبنى عليه للأجيال الصاعدة، فتصبح هذه الأجيال شاهدة حية على كل ما تحقق، فتصنع حاضرها الذي سيقود إلى مستقبلها، وبهذا، فالتاريخ له أكثر من حاضر وأكثر من مستقبل، لأنه الرؤية المتجددة التي لا تنضب، والاستراتيجية التي تحول ذاتها تلقائياً إذا ما توفرت شروط الفعل المستدام المستندة على الطاقة النظيفة، والطاقة ليست الكهرباء فقط، الطاقة كل فعل يؤدي إلى استمراريته، وكل إحساس ينمو في روح البشر والآلة، الطاقة هي فعل إنساني كوني تهيم على الأرض كالصوت السماوي، الطاقة إيمان بالإرادة، والإرادة جزء من حركة الكون ومخلوقاته، مهما كبرت أو صغرت.

المسألة فلسفية بامتياز، لكنها ليست تلك الفلسفة المقتصرة على الكلام والسفسطة، إنها الفلسفة البنيوية المرتبطة بحركة المجتمعات ومحركاتها، والمحرك هو الإنسان، القائد بكل فئاته والشعب بكل فئاته، وما يؤمنون به من مبادئ سامية، فالبناء سمو نحو الأكثر جمالاً وصفاء وديمومة، والبناء هو التاريخ. وبهذا تتشكل دائرة تشمل المعنى والمبنى وتقود إلى الفعل والحدث، والفعالية والإنجاز.

هل يختلف اثنان على أن إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة حدث تاريخي؟ لا أحد يختلف على ذلك، ليس لأن مفردة الوحدة قيمة سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية؛ بل لأن الإعلان تحول خلال خمسين عاماً إلى واقع أشبه بالمعجزة. والخمسون عاماً كان عملاً مستداماً دؤوباً، مادياً وفكرياً وروحانياً، تدفعه إرادة التوق إلى الرفاهية، التي هي قيمة اقتصادية وسياسية وغيرها كما ذكرنا، وتحققت الرفاهية بمعناها العلمي والاجتماعي والسياسي والإنساني والأخلاقي، فاستحقت أن يكون الإعلان حدثاً تاريخياً بامتياز، لأنها أصبحت الدولة النموذج التي يرغب الجميع في العيش فيها، والتمتع بتراكم تاريخها الذي ولّد الحاضر الذي نراه باندهاش، وتجهّز للمضي نحو المستقبل باطمئنان.

كل من أسهم في هذا الإنجاز هو شخص تاريخي، وكل خطة ورؤية واستراتيجية هي عمل تاريخي، لأن الدولة في البديهيات هي قادة وشعب، وفكر وترجمة وتنفيذ، وتراكم خبرات نوعية، وهنا يمكن استخدام مصطلح التاريخ النوعي، وهو الذي لم يتعرض إلى نكسات وإحباطات؛ بل سار في خط تصاعدي حتى وصل الذروة.

هل إكسبو هو الذروة؟ هو مشروع عملاق خلق فرحة عظيمة، لكنه ليس الذروة وليس نهاية التاريخ، الطامحون العازمون التواقون إلى تسجيل الأرقام القياسية لا يعترفون بنهاية التاريخ؛ بل بصناعته واستدامته، وتحويله إلى قصة مبهرة يتفاخر بها الأجيال، وإلى أنموذج يحتذى، إكسبو في فلسفة الزمن هو الحاضر الذي شُيّد بسواعد الماضي القريب، لكنه في الوقت ذاته المستقبل، ونواة لمعارض قد تكون أكبر كماً ونوعاً.

من حقنا الحديث يومياً والكتابة باستمرار وعلى مدى ستة أشهر عن هذا الحدث العملاق، لنجعله تاريخاً ناصع البياض، مؤثراً في آلية التفكير، ومبشراً بفرحة أخرى تضاف إلى الفرحة الكبرى المتجسدة في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"