عادي

المكان بوصلة القلب

01:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
قبة تثير مشاعر باللانهائية وتهبنا لحظات من السمو والارتقاء
بوابة تمنحنا الهدوء والسلام والطمأنينة والعبور السلس

إكسبو 2020 دبي: محمد إسماعيل زاهر
(1)

الباب إشارة إلى المكان بمفرداته كافة، واجهة تعرفنا بما يقع وراءه. الباب يفصح ويخفي، محطة وصول إلى ما نريد زيارته أو استكشافه، الباب وضوح وأسرار لا حدود لها، بداية ونهاية، طريق ورحلة، ملموس ومجرد، فتح وإغلاق، ذاكرة وأحداث، الباب رديف العمران ونقيض الخلاء، الباب مفتتح واستهلال وتمهيد ومدخل وانتباه، الباب ببساطة هو عالم الما وراء، ذلك العالم الذي يثير شغفنا ومخيلتنا. الباب أيضاً سؤال عن المخبوء والمتوقع وما ينتظرنا بداخل المكان الجديد.

يبدأ العمران من الباب، وتنفتح العين مستطلعة لما سيأتي، متشوقة للمشهد المقبل، متحفزة لما سيقابلها من متع وما لا يخطر على بال، هكذا هو الباب في كل الحكايات الكبرى، في البيوت والمدن المسحورة، وحتى في القلب وفي الموروث الديني: باب الرجاء، باب الرحمة، باب المغفرة، باب الرزق، وباب التوبة.

في كتابه «جماليات الباب العربي» اعتبر شاكر لعيبي الباب بوصفه «اللوحة الإسلامية»؛ حيث يختزن حالة وصل بين وضع ووضع، انتقال.. عبور.. تغير.. تحول، بكل ما تثيره تلك الكلمات من أحاسيس.

كل هذه الأفكار راودتني وأنا في طريقي إلى إكسبو دبي، فالبداية لابد أن تكون من الباب، والذي يلخص بشكله وطريقة تصميمه الرؤية الكامنة خلف المعرض العالمي، قرأت كثيراً عن تصميم المعماري آصف خان، لكن ما شعرت به اختلف بالتأكيد عمّا طالعته.

الباب أو البوابة في إكسبو بتصميمها، ليست أداة فصل بين عالمين مختلفين أو تمهيد لعالم آخر ستقع عليه أعيننا، البوابة رحبة ولا تخفي شيئاً، وتشعرك بالطمأنينة وبأنك تعبر بهدوء إلى عالم مماثل لما تركته خلفك، فكل ما ستشاهده لاحقاً موجود في دبي والإمارات، وكأن إكسبو جزءاً أصيلاً من المكان، وكأن دبي بشوارعها وبناياتها ومشروعاتها وتنوعها الثقافي والفني والجنسيات التي تعيش فيها إكسبو دائم.

البوابة بضخامتها وفتحاتها تداعب البصر، وتقوده إلى آفاق أوسع، فلا توجد هناك أماكن مغلقة في أي من أجزائها، انفتاح على العالم وعلى الكون وعلى المحيط، تهرب الرؤية الكامنة خلفها من الاصطناع، رؤية وجدانية مكثفة للطبيعة، رؤية تأخذ في الاعتبار أكثر من بعد: الصحراء بامتدادها، رسالة المعرض العالمي نفسه، طبيعة دبي والساحة التي سيقبل عليها الزائر.

البوابة في إكسبو دبي 2020 روح عربية بامتياز، بساطة وعمق، هدوء وسلام، طمأنينة وعبور سلس، وضوح لا يحتاج إلى أي تأويل.

عبرت البوابة أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت هناك فكرة جديدة وبسيطة، تثير في داخلي الرغبة في سرد حكايات وحكايات البوابة التي بلا مفاتيح أو أقفال، هي شديدة الوضوح وهذا سر جمالها، لكنها مخفية في الوقت نفسه، وتذكرنا بالأبواب التي قد سردت علينا شهرزاد قصصها، هي بوابة القلب أو بوابة الوصل.

(2)

يعقب الباب طريق أو مدخل إلى المكان أو إلى مركز المكان على وجه الدقة، وهنا نجد الأجنحة المركزية الثلاثة و أجنحة الدول المشاركة، نعيش لحظات ممتعة بين الفنون التشكيلية والشعبية.. نصغي إلى صوت الموسيقى أو نتأمل الماء في منطقة الشلال، نسير بخفة يحدونا الشغف، هنا جناح يختزن تراث تلك الدولة، وهناك جناح يستشرف المستقبل، وهذا جناح على الماء، نتوقف عند أكثر من سبيل للماء نستحضر التاريخ في شكله المميز ونلمح الماضي، ونقرأ كلمات مكتوبة بالخط العربي في أماكن متعددة.. وتنتقل العين بين الوجوه والملابس لتقابل بترحاب من عيون أخرى، نشعر أن الحواس بأكملها في حضرة المكان.. السمع والبصر.. القلب والعقل.. الحواس كلها مأخوذة... مسلوبة.

نصل إلى ساحة الوصل.. وهنا تتكثف الحواس، يرتفع البصر.. وتنجذب العين إلى القبة، الدوائر المتكررة تهبنا دقيقة من الصفاء، والفتحة التي تتوسط القبة تمنحنا لحظات من السمو والارتقاء، مشاعر باللانهائية تغزونا والألوان التي تتغير تضعنا على شفا التحول، هنا الثبات والتغير معاً، المستقبل ينبت من الماضي ويحاور الحاضر، هنا لا قطيعة بين لحظات الزمن أو فصل بين الأمكنة أو صدام بين العقل والقلب، العالم بأكمله في حالة تناغم و تسود السكينة روح الإنسان.

(3)

إن المكان الذي تتناغم فيه الحواس بأكملها هو المكان الذي يعول عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"