تأملات في تحوّلات الإبداع

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تغيّر مفهوم الإبداع؟ ليس السؤال: هل قصر عمر الإبداع؟ تُرى، أيّ الأعمال الشعرية اليوم يمنّي النفس بأن يصارع خيلاً من فوارسها الدهر، فيغالب الزمن ويغلبه، مثل أشعار هوميروس، المتنبي، جلال الدين الرومي..؟ ماذا عن دافنشي ورامبرانت؟ ماذا عن باخ، موتزارت وبيتهوفن؟ المسألة ليست لعباً، نتحدث عن 28 قرناً، عن ألف سنة، ثمانية قرون، ثلاثمئة عام... بل ماذا عن الروائع التي تتجاوب فيها المعتقدات والفنون والعلوم كمآثر مصر القديمة؟ هنا آلاف السنين متأهبة لألوف أخرى.
من أدراك بما سيحدث في القرن المقبل؟ قد يصير التأليف الموسيقي يضطلع به الذكاء الاصطناعي، الذي سيجري حاسوبه ملايين التريليونات أو ملياراتها في الثانية، وقد يكون هذا الرقم النجومي متخلفاً يثير قهقهة الآلة الذكية: «ها ها ها، هكذا كانت حواسيبهم تدبّ كالنملة سنة 2050». قد يكون الدماغ البشري مختلفاً، حين يتسلّح بقدرات اصطناعية جبّارة، كشرائح، أو رقائق، أو حُقن جزيئيّة أو نانويّة. بل إن قدرات الخيال محدودة جدّاً حاليّاً، فالفيزياء اليوم أمام زاوية حادّة تبدو للعلماء كأنها طريق مسدود، فهم يبحثون عن حلول كبرى، مثل «نظرية الكل» التي توحّد القوى الأربع، وحلّ مشكلة عدم التوافق بين فيزياء الكمّ والنسبية العامّة. وهل يرضى الفيزيائيون بأن يظلوا حائرين يجهلون تماماً أسرار المادّة السوداء والطاقة السوداء، ومجموعها يشكل 95% من مادّة الكون؟
 واضعو المناهج العربية لا يشغلون أنفسهم ولا تلاميذهم وطلاّبهم بمثل هذه «التهويمات»، فهم دأبهم وديدنهم: «لك الساعة التي أنت فيها». شعر الأعشى في كتبهم المدرسية أهمّ من كل ما يتعلق بمستقبل البشرية والكوكب والكون، فأيّ تخريف يبعثنا على توهم أن من واجب الفنانين أن يفكروا استشرافياً، في انعكاسات التحولات في الفيزياء على مستقبل الإبداع؟ لكن، ليس حراماً ولا جنوناً أن نتخيل واضعي المناهج الدراسية، وقد تحلّوا بنفحة من حِلم معن بن زائدة، فلم تصعّر أذهانهم خدّها، إذا قيل لهم: إن إبداع الفنون جزء لا يتجزأ من حركة موكب التنمية الشاملة، بالتالي فإن القيم الإبداعية والجمالية التي تزرع في تربة أنظمة التعليم، هي التي تحدّد قيمة الأشجار والثمار في حقول الثقافة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الزراعية: حين تكون بذور الإحساس بالجمال رديئة، والتغذية الفنية فقيرة المكوّنات، فلا أمل في أشجار باقية، ذات قطوف دانية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"