عادي
يرسم القصة والشخصيات بالحوار ويحرك خيال المشاهد

«المُذنب»..فيلم الممثل الواحد

00:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
E9kxZ_lXoAYGlFY
ملصق الفيلم
الشرطي جو والمصباح الأحمر يشير إلى تلقيه مكالمة
بوستر الفيلم
التصوير داخلي محصور في مكان واحد

مارلين سلوم
لم يمر سوى ثلاثة أعوام على ظهور الفيلم الدانماركي «المذنب» الذي أثار ضجة خلال عرضه الأول في مهرجان «صندانس» السينمائي عام 2018، للمخرج جوستاف مولر الذي نال إعجاب الجمهور والنقاد لتقديمه فكرة جديدة لفيلم يركز على التوتر والغضب، بطله شخص واحد بينما الأدوار الثانية لشخصيات بلا وجوه، حاضرة بالصوت فقط. ورغم قرب ظهوره ونجاحه، كرر التجربة نفسها مخرج آخر هو أنطوان فوكوا، مغامراً بتقديم نسخة أمريكية جديدة من العمل نفسه عرضته حديثاً منصة «نتفليكس». فهل يتكرر النجاح، أم تظلم المقارنة النسخة الحديثة؟ الفيلم يستحق المشاهدة والفكرة ما زالت مدهشة سينمائياً.

ذكيّ أنطوان فوكوا، فقد حرص على الوفاء للنص الأصلي للكاتبين جوستاف مولر وإميل نيجارد ألبيرتسن، مع إضافة لمسة جديدة وملحوظة لكاتب السيناريو نيك بيزولاتو. ولا يحتاج تصوير العمل لتغيير مواقع والانتقال بين تصويرين داخلي وخارجي، فهو قائم على حصر القصة والكاميرا والجمهور داخل مكان واحد، وفي يوم واحد، ومع بطل واحد. ولأن الجائحة تركت بصمتها في كل مكان ومجال، فقد صادف أن أصيب أحد المقربين من أنطوان فوكوا ب«كوفيد-19» قبل البدء مباشرة بتصوير الفيلم، ففرض المخرج على نفسه عزلة كي يحمي فريق عمله خوفاً من احتمال إصابته بالوباء، وصور الفيلم بأكمله في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 من شاحنة بداخلها شاشات، بدلاً من التواجد في استوديو، والاحتكاك بالممثلين. ورغم أن الفيلم طويل، ساعة و30 دقيقة، ومرهق ويحتاج إلى التركيز على ملامح الوجه وحركات البدن والانفعالات كلها، لم يستغرق التصوير سوى 11 يوماً.

حالة تأهب

يبدأ الفيلم بأخبار ومشاهد عن حريق هائل في لوس أنجلوس، نحن في غرفة الطوارئ 911، والحرائق تشعرك منذ اللقطة الأولى بأنك مستنفر وفي حالة تأهب. جو بايلور شرطي يتلقى المكالمات في وحدة الطوارئ، ويحاول حلها سريعاً. بعضها مضحك لأشخاص يطلبون المساعدة لحل مشاكل بسيطة، وأحياناً تافهة، بينما الاتصالات الأخرى جدية ويمكنها إصابة أي أحد بالتوتر، فما بالك والبطل متوتر أصلاً، والحرائق تسبب تلوثاً في الجو حتى ولو داخل مركز عمله، وهو مريض بالربو ما يجعله يستخدم أكثر من مرة بخاخاً موسعاً للشعب الهوائية ليساعده على حسن التنفس. الشرطي جو متوتر، كأنه خائف، ولا نفهم السبب. تصرفاته عصبية، يحاول السيطرة على أعصابه ويتصرف بما يمليه عليه واجبه بحل مشاكل كل متصل وتوفير الحماية الأمنية له إن لزم.

نفهم أن هناك مشكلة ما تتسبب بكل هذا التشنج لدى جو بايلور، ولا نكتشف حقيقتها سوى في الجزء الأخير من الفيلم. الأزمة هذه أدت إلى خفض رتبته من ضابط شرطة في لوس أنجلوس إلى شرطي يتلقى المكالمات الهاتفية في مركز الطوارئ 911، ولا يخرج من المركز ولا يحتك بالناس بشكل مباشر في الشوارع.

الصحفية كاثرين هاربور (تؤديها إدي باترسون بالصوت) تطارده لتحصل منه على سبق ويحكي عن «الحقيقة والقصة من وجهة نظره»، كما تقول له. هذا اللغز الذي لا يكشف عنه سوى قرب النهاية، يشكل عاملاً إضافياً ومهماً للإبقاء على أجواء الغموض والتوتر طوال الفيلم.

جو منفصل عن زوجته جيس (جيليان زينسر بالصوت)، ويحاول متألماً الاتصال بها للتحدث مع ابنته بيج. جايك جيلنهال ممثل قوي، هو الفيلم وهو القادر على تحريك مشاعرنا وكسب ودنا وتعاطفنا معه. ورغم اعتماد المخرج على التصوير عن قرب وتسليط الضوء على وجه بطله وتشنجاته وعروقه وحركات يديه العصبية وعينيه ورعشة صوته، إلا أن جايك كان على مستوى المسؤولية ونجح في المهمة باقتدار، فأنجح الفيلم وأوصل رسالته بشكل واضح إلى الجمهور وكسب وده بلا شك.

غضب جايك يتسبب له بمشاكل كثيرة وكبيرة، يعجز عن السيطرة على نفسه أحياناً فيدفع الثمن حيث لا ينفع الندم، خصوصاً أنه يعمل في موقع حساس، سواء حين كان يتجول في دوريات للشرطة في الشوارع، أو حين تم تخفيض رتبته وصار منزوياً خلف سماعة الهاتف يتلقى اتصالات الناس ويحاول حل مشاكلهم، بل إن تصرفاته تنعكس سلباً عليه وعلى عمله حين يتملكه الغضب، ومثال ذلك عندما وبّخ أحد المتصلين بسبب تعاطي المخدرات، وشتم أحدهم واعتبار أنه يستحق السرقة التي تعرض لها من فتاة ليل.

صورة بالصوت

صعوبة «المذنب» في كونه يعتمد على «وان مان شو» ووجود بسيط لكومبارس من الزملاء الشرطيين العاملين في مركز الطوارئ نفسه، بينما الأبطال الحقيقيون لا يظهرون إلا بالصوت، باستثناء جو المحرّك للأحداث كلها. تتسارع وتيرة هذا الفيلم المثير وغير الممل عندما يتلقى جو مكالمة من امرأة تدعى إميلي، تؤديها بالصوت رايلي كيو التي تثبت قدرة هائلة في إيصال الصورة كاملة بكل الأحاسيس من خلال صوتها فقط.

إميلي امرأة مخطوفة، يحاول مساعدتها، يطرح أسئلة كثيرة ليفهم من تكون، ومن خاطفها، وأين هي، ثم يتبين أن خاطفها زوجها أو طليقها، وأن ابنتها ذات الأعوام الستة وحدها في المنزل مع أخيها الرضيع.

«المذنب» يقدم نموذجاً مختلفاً لسينما الواقع التي تعتمد على الخيال ورسم القصة والشخصيات بالحوار، نستمتع بتجربة إشراك خيالنا في تصوير المشاهد وتخيّل أشكال بعض الشخصيات الرئيسية، إميلي وزوجها والطفلان، طليقة جو وابنته، أصدقائه وزملائه الذين يحاولون مساعدته من مواقع مختلفة. التوتر رفيقنا طوال الوقت، عامل جذب إضافي يعتمد على براعة المخرج وقوته في الحفاظ على المستوى نفسه في لعبة شد الأعصاب مع لحظات من الاسترخاء ثم العودة لعقدة أكثر صعوبة حتى يصل الحل قبل النهاية التي تبدو منطقية.

من مميزات الفيلم أنه يكشف مجموعة أخطاء تقع فيها الشرطة في أمريكا، حيث يبقى الشرطي متوتراً وقلقاً ما يدفعه لارتكاب أخطاء تكون غير قانونية، أو قاتلة أحياناً. كما يبرز صعوبة فصل الواجب عن العواطف والمشاعر الإنسانية، حيث يتعامل جو مع مشكلة إميلي بمشاعره الإنسانية التي تغلبت على أداء الواجب والوظيفة، وتجاوز القواعد والقوانين بهذا الدافع الإنساني كي ينقذ الأسرة من كارثة، أو مجموعة كوارث.

يستخدم هذا العمل تقنية اللعب على الخيال فيحث الجمهور على تخيل المشاهد من خلال الحوار بين الشخصيات، حوار ينقلنا من مكان إلى مكان ومن حدث إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى، وكل حوار يدور بين شخص غير مرئي والشرطي، جو دون أن تتحرك الكاميرا من مكانها أو تزيح عن وجه البطل ومقعده وهاتفه والمصباح الأحمر الذي يشير إلى تلقيه مكالمة.

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"