لبنان ونيران الفتنة

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

سجّل الوضع اللبناني عقدة دموية بالغة الخطورة بسقوط عدد من القتلى والجرحى خلال اشتباكات عنيفة اندلعت على هامش تجمع نظمه عدد من مناصري «حزب الله»، و«حركة أمل» ضد المحقق في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. ولا شك في أن هذا الانزلاق المتهور سيرخي سدوله على الأزمة السياسية الناشبة في البلاد، وربما يضع لبنان، على شفير نزاع سيء، بعد سنوات من الاحتقان.

لبنان في محنة كبيرة، والمشكلة القائمة اليوم أخطر مما يعتقد، ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بتداعياتها إذا تجاوزت حدود السيطرة، خاصة أنها جاءت في سياق قضية تشغل الرأي العام، المحلي والعالمي، وتتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وفي ضوء توقعات بأن البيطار يتجه إلى اتهام «حزب الله» بجريمة تفجير المرفأ، ما دفع الحزب، وحليفته «حركة أمل»، إلى التهديد بتقويض حكومة نجيب ميقاتي، التي لم يمر على تسلم مهامها شهر، إذا لم تسارع بإقالة محقق المرفأ. ومن دون تفكير في العواقب تم اللجوء إلى تحشيد الأنصار لممارسة مزيد من الضغط على الحكومة، وكانت النتيجة الأولية أن وقع المحظور، وسقط عدد من القتلى والجرحى، في حادث روّع الآمنين، وصدم السلطات الرسمية التي تحاول جاهدة إخماد الفتنة في مهدها قبل أن تتمدد وتحرق بيروت، بل كل لبنان.

اللجوء إلى الشارع في مثل هذه الأزمات المعقدة، وفي ظل انتشار السلاح لدى أنصار هذا الطرف، وذاك، مقامرة بالغة الخطورة خصوصاً في لبنان، الذي لم تغب عن ذاكرته مآسي الحروب الماضية.

أزمات لبنان تتناسل، ولا تريد أن تنتهي، كأن قوة ما تريدها أن تبقى مفتوحة ومستعصية على الحل. ويبدو أن الأجواء المفعمة بالأمل التي صاحبت الأيام الأولى لولادة حكومة ميقاتي تلاشت، بعدما سقطت سريعاً تحت سنابك الضغط والابتزاز، وبدت مترددة ومضطربة في تطبيق العهود التي قطعتها حول تسريع الإصلاحات والشروع في الإنقاذ.

ربما ستكون مساعي إخماد «فتنة الطيونة» امتحاناً حاسماً للحكومة، التي أكد رئيسها نجيب ميقاتي فور وقوع الاشتباكات المؤسفة، أن الجيش ماض في إجراءاته الميدانية لمعالجة الأوضاع وإعادة بسط الأمن، وإزالة كل المظاهر المخلة بالأمن وتوقيف المتورطين في هذه الأحداث، وإحالتهم إلى القضاء المختص. ورغم صعوبة الموقف، فبإمكان الحكومة أن تثبت على موقفها، وأن تدافع عن شرف الدولة وتتمسك بمسار العدالة في كل القضايا المفتوحة، ومنها انفجار المرفأ.

واجب اللبنانيين اليوم أن يقلّبوا صفحات تاريخهم، والتجارب، القريبة والبعيدة، في بلدان عدة ليعتبروا منها، ويتأكدوا أن الحروب لا تورث غير الدمار، والاستهانة بالدولة والتطاول على مؤسساتها يقودان إلى تفكك المجتمع وضياع الوطن.

ولبنان لا يستحق هذا المصير، إذا كان هناك من يؤمن بلبنان، ويرغب في تجنيبه نيران الفتنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"