سنة على رحيل إبراهيم العابد

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي عبدالله الأحمد *

اليوم، هي الذكرى السنوية الأولى لوفاة إبراهيم العابد رحمه الله (1942-2020)، مؤسس وكالة أنباء الإمارات والمدير العام للمجلس الوطني للإعلام في دولة الإمارات. تعلمت منه مثلما تعلم غيري ونحن كثر، لم يبخل يوماً بنصائحه، حمل أمانة كبرى هي صورة الإمارات في عيون العالم، وأمضى 50 سنة من عمره في خدمتها.
سنحت لي الفرصة بالعمل بالقرب من إبراهيم العابد لأول مرة في مؤتمر القمة العربية في بيروت، كان يشغل حينها منصب مدير عام وكالة أنباء الإمارات والمسؤول عن الإعلام الخارجي للدولة، وكنت ضمن فريق تلفزيون أبوظبي المكلف بتغطية قمة بيروت. والعابد هو خريج الجامعة الأمريكية في بيروت درس فيها العلوم السياسية، وبدأ حياته المهنية هناك. وفي بيروت رأيت مدى اتساع علاقاته الإعلامية والسياسية والأدبية، كان بارعاً في إيصال رسائل الإمارات إلى الجمهور الخارجي ولخدمة المصالح الوطنية للدولة.
   أثناء الغزو الأمريكي للعراق اتصل بي العابد ليخبرني بأن لديه معلومة غير مؤكدة تشير إلى أن أكثر من 120 قناة تلفزيونية عالمية تقوم يومياً بإعادة بث تغطية تلفزيون أبوظبي المباشرة للحرب في العراق، ثم عاود الاتصال ليقول: «لقد تأكدت من المعلومة وهي صحيحة». واحتفلنا بعدها.
   بعد ذلك بأسابيع أرسل لي المجلة الأمريكية العريقة «الشؤون الخارجية» واضعاً ورقة صفراء صغيرة لمقالة أشارت إلى تميز تلفزيون أبوظبي في نقل أحداث الحرب في العراق، واتصل بعدها ليسأل «وصلت الأمانة؟» فأجبته بنعم، وأخبرني بأن وكالة الأنباء «وام» ستنشر خبراً عن الموضوع وتشير إلى ما ورد في المجلة الأمريكية، وطلب مني جملة مختصرة كجزء من الخبر، فكرت بعدها ماذا علني أن أقول فكتبت جملاً كثيرة ثم أرسلتها له.
   لم يعلق نهائياً، وعندما نشر الخبر على الوكالة اقتبس العابد جملة واحدة تقول «نريد أن نصبح مصدراً للخبر وليس ناقلاً له». كانت رسالته لي واضحة وهي أن ذروة النجاح الإعلامي هو أن تجعل غيرك يتحدث عن إنجازاتك وليس أن تتحدث أنت عن نفسك.
   ذات مرة سألني عن خبر بثه التلفزيون دون التحقق من كافة تفاصيله، اعترفت له بالخطأ وحاولت التبرير بضغط العمل، فقال ناصحاً «إعلام بلا مصداقية مضيعة للجهد والمال».
  تجربة أخرى جمعتني مع العابد تعود أحداثها إلى يوم الحزن الكبير عندما رحل إلى جوار ربه الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزيراً للإعلام والثقافة ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للإعلام آنذاك قد وجه بإنشاء مركز إعلامي مؤقت لاستقبال الوفود الإعلامية المرافقة للملوك والرؤساء القادمين إلى أبوظبي لأداء واجب العزاء، وعلى مدى أيام كان العابد هو حلقة الوصل مع المراسلين الأجانب في ذلك الوقت العصيب. وتولى فريق الوكالة بقيادته الترجمة وتوفير الكتب والمراجع بعدة لغات تتحدث عن الدولة ومؤسسها، إضافة إلى أرشيف التلفزيون.
    تحت إشراف العابد تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية عن تاريخ الدولة و مسيرة الاتحاد، وتم عرض الكثير منها في محطات تلفزيونية عالمية ليتعرف الجمهور الغربي إلى التجربة الإماراتية الفتية، أضف إلى ذلك إصدار الكتاب السنوي الرسمي لحكومة دولة الإمارات الذي يتحدث فيه مسؤولو الجهات الحكومية عن التطورات التي تشهدها الدولة في شتى القطاعات.
  بدأ العابد عمله بوزارة الإعلام والثقافة في الدولة عام 1975، مسؤولاً عن الإعلام الخارجي، وأسس وكالة أنباء الإمارات عام 1977، وتولى إدارتها ثم أصبح مديراً عاماً للمجلس الوطني للإعلام . حاز إبراهيم العابد عدة جوائز من ضمنها جائزة تريم عمران الصحفية في 2007 وجائزة الصحافة العربية في 2014 كشخصية العام الإعلامية من منتدى الإعلام العربي في دورته الثالثة عشرة، كما نال أيضاً جائزة جمعية أصدقاء الكتاب في بيروت، وفي 2018 كرمه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله بجائزة أبوظبي.
   في يوم وفاته نعاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قائلاً: «خمسة عقود قضاها إبراهيم العابد رحمه الله يعمل بلا كلل حتى آخر يوم... تعازينا لأهله وأحبابه وأصدقائه».
يقول الشاعر الأعشى:
وإنِ امرؤٌ أسدى إليكَ أمانة 
فأوفِ بها إنْ متَّ سميتَ وافيا
 رحم الله إبراهيم العابد ذلك الرجل الوفي.
* دبلوماسي إماراتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"