عادي

«عالقون معاً».. الحياة في زمن الإغلاق

فيلم كوميدي فرنسي مكتوب بواقعية

23:22 مساء
الصورة
1
الصورة
الصورة

مارلين سلوم
تعوّدنا أن تطل علينا السينما الفرنسية بخجل، وجاءت الجائحة لتقلل من حضورها أكثر فأكثر على شاشاتنا، إلا أن المشاهدة التلفزيونية التي أتاحتها لنا المنصات، أعادت إلينا الانفتاح على العالم وفنونه، بل سمحت لنا بأن نشاهد أعمالاً لا تصل إلى صالات العرض العربية، وتعبّر عن مختلف الأذواق ومن مختلف دول العالم. «نتفليكس» التي تعرض القديم والحديث من الأفلام، صارت منصة «ناطقة سينمائياً» بكل لغات العالم، وتنتج بغزارة، وتنافس في المهرجانات وتحصد نصيباً وافراً من الجوائز، سواء في الدراما أو السينما، وها هي تنتج فيلماً فرنسياً وتطلقه حديثاً عبر منصتها بعنوان فرنسي «8 شارع الإنسانية»، وعنوان إنجليزي «عالقون معاً»، أو «ستاك توجاذر».

ورغم الانقلاب الذي أحدثته جائحة «كوفيد-19» في حياتنا، وكل ما فرضته علينا من بروتوكولات وتغييرات وإغلاق، ثم انفتاح، لم تتمكن السينما العالمية حتى الآن من تقديم فيلم اجتماعي عميق وناجح بكل المقاييس الفنية. كل ما يتم إنتاجه بعد «كورونا»، إما يتجاهل الجائحة كلياً، وإما يمر عليها بشكل سطحي. ولم نشاهد سوى عدد قليل لا يتجاوز الثلاثة أفلام تم تقديمها هذا العام، أولها البريطاني «معاً»، والذي يعتبر كوميدياً ويتناول قصة زوجين يضطران للعيش معاً رغم مشاكلهما وخلافاتهما بسبب الإغلاق الذي يفرضه كورونا. والفيلم الثاني بريطاني أمريكي مشترك هو «لوكد داون» الذي عرض بداية العام الجاري، ويضم أسماء محبوبة ومعروفة: آن هاثاواي وتشويتل إيجيوفور وبن كينجزلي وبن ستيلر.. وهنا أيضاً تظهر مشكلة زوجين كانا على مشارف الانفصال لولا انتشار الوباء وفرض الإغلاق والعزل في لندن، ما يضطرهما للبقاء معاً. والفيلم الثالث هو الفرنسي «عالقون معاً»، الذي يعتبر اجتماعياً كوميدياً، كثير الشبه من حيث بعض المشاهد واللقطات ومواقع التصوير بسابقه «لوكد داون». كلاهما، المخرج الأمريكي دوج ليمان والفرنسي داني بون، صور الشوارع خالية، وكيفية تعامل الجيران مع بعضهم بعضاً، يخرجون إلى الشرفات، يقرعون الطناجر، يعزفون، يغنون ويصفقون ويتضامنون مع المصابين ب«كورونا»، ومع الأطباء والممرضين. كلاهما عرض لقطات طريفة ساخرة عن التواصل عبر «زوم»، للدراسة وللعمل، مع ارتفاع نسبة الكوميديا في «عالقين معاً» عما كانت في «لوكد داون».

بطولة جماعية

داني بون الفرنسي من أصل جزائري هو مؤلف ومخرج وبطل «عالقون معاً»، وشاركته في التأليف والبطولة لورانس أرني، في تجربتها الأولى في الكتابة. يمكن القول إنه بطولة جماعية لأن القصة تتناول حياة مجموعة من الجيران يسكنون في مبنى واحد له مدخله الخاص وباحة أمامه واسعة. لا نخرج من إطار المبنى الباريسي وسكانه إلا لنتابع تحركاتهم القريبة جداً، في السوبرماركت، أو المستشفى. حاول الكاتبان جمع كل المظاهر التي عرفناها خلال تلك الفترة العصيبة من بداية انتشار الوباء عالمياً، وتقديم أنماط مختلفة من الناس وكيفية تفاعلهم مع الفيروس والحياة الاجتماعية في ظل الإغلاق. البطل الرئيسي مارتان (داني بون) هو الأكثر التزاماً بكل التدابير الوقائية لشدة هلعه من «كورونا»، وقد وصل إلى درجة الوسواس، لا يخرج من المنزل إلا لشراء حاجيات أسرته، يرش الكحول والمعقمات في كل مكان حتى على الناس الذين يتحدثون إليه، ويضع على وجهه قناع الغطس كي يحمي وجهه بالكامل، وبسبب انقطاع الكمامات في باريس. وفي المقابل زوجته كلير (لورانس أرني) شديدة الإهمال، ولا تهتم بأي من تلك الإجراءات. هي محامية تتحايل للخروج خلسة لمقابلة موكلها، فور عودتها يمنعها زوجها من دخول المنزل حتى لا تلوثه وتنقل الفيروس له ولابنتهما لونا (الطفلة روز دو كيرنيفويل).

«عالقون معاً» يعكس الحالة الاجتماعية في ظل الوباء ولا يتجاهل الجانب العلمي والصحي مثلما فعل «لوكد داون»، ففي أسفل المبنى مختبر للدكتور جابريال يجري فيه تحاليل و«بي سي آر» لسكان المبنى، كما يجري أبحاثاً وتجارب للقاح جديد ضد «كوفيد-19». يبدأ اختباراته على الفئران التي تنفق كلها، ثم يختبر اللقاح على نفسه فيصاب بتشنجات، ويقرر تقليل الجرعة فيختبرها على جاريه مارتان وحارس المبنى دييجو (جورجي كالفو). ومن الجيران امرأة اسمها ليلى (نوال مدني)، يعتبرها الجميع غريبة الأطوار لأنها لا تختلط بأحد من السكان وتخرج ليلاً وتعود صباحاً من دون أن تتحدث أو تتواصل مع أحد.

ميزة الفيلم أنه مكتوب بواقعية ويعرض تفاصيل ما حدث في تلك الآونة، وما تداوله الناس من شائعات، مثل اقتناع البعض بأن «كورونا» ليس فيروساً عادياً، بل هو «مصنّع» من أجل تخفيض عدد سكان العالم، والبعض يعتقد أنه هذا مجرد فيروس مثل الإنفلونزا ليس أكثر، وآخرون لا يعتقدون بوجوده أصلاً، ويرفضون الكمامة والتعقيم وكل مظاهر الوقاية. وبسبب كثرة النميمة بين الجيران، يبلغون الشرطة بأن ليلى تخرج في أوقات منع التجول مساء، فإذا بها تواجههم لأول مرة كاشفة عن طبيعة عملها طبيبة طوارئ، تعزل نفسها عن جيرانها عمداً كي لا تعرضهم لخطر الإصابة بكورونا، في حال حملته معها من المستشفى من دون أن تدري.

ورغم وجود حالة إصابة بالوباء وبقائها في مستشفى العزل شهراً، وهي باولا زوجة دييجو التي كانت تعمل في تنظيف البيوت في المبنى، ومن ثم وفاتها وحزن الجميع عليها، إلا أن الفيلم لم يتخل عن روح الكوميديا الخفيفة، مع مشاهد مضحكة خصوصاً مشهد دراسة الطفل باسيل عن بعد، ووجود والده خلفه بالملابس الداخلية من دون علمه بأن الكاميرا مفتوحة، والكل يراه، وكذلك المحامية كلير تشتم وتتشاجر مع عائلتها أثناء حضورها جلسة استماع للمتهم الذي تدافع عنه وأمام القاضية، وهي تعتقد أنها كتمت الصوت وأبقت الكاميرا بينما فعلت العكس وشعرت بإحراج كبير.

إيجابيات

الفيلم تطرق أيضاً إلى بعض إيجابيات استفاد منها الناس في ظل الجائحة، حيث منح العزل الناس فرصة الالتقاء والتحدث والسؤال عن بعضهم بعضاً، وأصبح للمكان روح جديدة، يتشاركون المناسبات الجميلة مثل ولادة طفل، والحزينة مثل مواساة دييجو بعد وفاة زوجته والالتفاف حوله كأسرة له.

فنياً الفيلم مقبول، لكنه يمتد إلى ساعتين وخمس دقائق بلا داع. الأفلام التي ظهرت عن «كورونا» حتى الآن ترى في الجائحة فرصة أيضاً لإعادة اللحمة بين الأزواج، و«عالقون معاً» يقدم أكثر من نموذج: مارتان وزوجته كلير، المالك الوحيد في المبنى وهو بلجيكي توني وزوجته إيزابيل، والزوجان الشابان المهووسان بالوسائل التواصل وحصد أكبر عدد من المعجبين. ينطلق الفيلم في أول مشهد له بجملة يقول فيها إنها حرب صحية عامة، حرب ليس فيها هجوم عسكري، ولا وجود للعدو، لكنها حرب والعدو غير مرئي، وينتهي بفكرة عامة لا علاقة لها بالحرب ولا بالعدو، فكرة التضامن في الشدائد، فالوباء جعل الكل يتعاون والنهاية وردية. العلاقات الإنسانية جعلت للفيلم روحاً وجعلتنا نتقبله رغم ضعف النص، وإحساسنا بأنه أقرب إلى حلقة تلفزيونية من فيلم سينمائي.

marlynsalloum@gmail.com