تحقيق: مها عادل
عندما تجتمع عناصر الإبداع والابتكار مع الشغف بالفنون، والالتزام بالمسؤولية المجتمعية، تكون المحصلة أعمالاً فنية مفيدة للبيئة والمجتمعات، تبهر الناظرين وتستشرف معهم مستقبلاً أفضل، في ظل الاهتمام بقيمة الاستدامة وإعادة التدوير، والحفاظ على البيئة المحلية والموارد الطبيعية واستغلالها بالأسلوب الأمثل لضمان تحسين الحياة واحترام الطبيعة ومواجهة تحدياتها.
هذا ما تجلى واضحاً ضمن فعاليات أسبوع دبي للتصميم الذي أسدل ستائره مؤخراً، والذي احتضن إبداعات أكثر من 500 مصمم ومهندس ومبدع من 40 دولة، وتبارى به الجميع في تقديم أفكار تصميمات طموحة ومتنوعة ومبتكرة قائمة على فكرة الاستدامة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وعناصر البيئة المحلية. وهي التصميمات التي عكست مدى تطور المشهد الابداعي بالدولة، وبراعة المصممين في جعل الممارسات المستدامة مركز الصدارة في مشروعاتهم، بداية من استخدام المواد التقليدية إلى التقنيات الحديثة ومن توثيق الثقافة البصرية في العالم العربي إلى تصميم الحلول للمجتمع من خلال أفكار مشروعاتهم المبتكرة.
وفي السطور التالية نستكشف مجموعة من التصميمات والمشروعات الفنية التي شاركت ضمن الفعاليات، ونتعرف إلى رؤى صناعها ورسالتهم للحاضر والمستقبل.
من المشروعات اللافتة التي شاركت ضمن برنامج تنوين للتصميمات، مشروع بعنوان «جذور» للفنانة الإماراتية وفاء الفلاحي المصممة متعددة التخصصات. وخلال سنواتها الدراسية، اكتسبت الفلاحي خبرة كعضو في فريق «آي دي +» تحت قيادة البروفيسور خوان رولدان، وتعاونت مع طلاب آخرين لتصميم معرض الخليج الرباعي في حي دبي للتصميم.. ومؤخراً، فازت في برنامج الإقامة الخاص بالمجمع الثقافي في أبوظبي. واختيرت في عام 2022 للمشاركة في برنامج الزمالة «أثاث».
وشاركت وفاء بتصميم عبارة عن وحدات إضاءة مميزة ضمن فعاليات أسبوع دبي للتصميم هذا العام بعنوان «جذور»، تم تنفيذه باستخدام مادة الحناء والفولاذ المقاوم للصدأ ومصابيح ذات صمامات ثنائية.
تقول وفاء الفلاحي: يجسد هذا التصميم فكرة أهمية العودة للجذور والترابط، كما يمثل تصميم «جذور» تراثنا المحلي، فهي صلة تربطنا بأصولنا. وفكرته مستوحاه من ذكريات طفولتي، حيث كان تأثير جدتي في نساء عائلتنا عميقاً، إذ كانت بمثابة الأساس المتين وجوهر شجرة عائلتنا. ولعل أهم ذكريات طفولتي كانت عندما وضعت جدتي الحناء على شعرنا ورسمت به على أيدينا وأقدامنا.. تعكس هذه الرواية التجربة العميقة لتطبيق الحناء، وهي طقس مقدس يجمعنا في مكان واحد، ويعد استكشاف المواد المستدامة من منطقة الشرق الأوسط الهدف الأساسي لمشروع الإضاءة هذا، مثل مكونات الحناء القابلة للتحلل الحيوي، والتي تنسجم مع الموارد المحلية. كما يعزز تنوع الهيكل الفولاذي كفاءة استخدام الموارد، ويستعرض طواعية إمكانيات المنطقة للممارسات المستدامة، وتم تصميم القطعة بمزيج من الفولاذ والبلاستيك القابل للتحلل الممزوج بالحناء، وتتميز هذه القطعة بمزيج متناغم من الألوان، مما يرمز إلى الدفء والحفاوة. علاوة على ذلك، تعمل ميزة الإضاءة الخافتة على بث الراحة وتعزيز الأجواء العامة في أثاث البيوت. وطالما كان دمج الاستدامة في أعمالي الفنية ركيزة أساسية. وأطمح إلى التعمق في دراسة تطبيقها بطرق مختلفة خلال مسيرتي الفنية.
كوب متعدد الأيادي
أما المصممة الإماراتية عايشة الياسي، من دبي، فتخصصت بدراسة العلاقات الدولية وتستكمل دراساتها العليا وتقوم بدراسات عليا في مجال الثقافات العالمية بجامعة كنجز كوليدج لندن، وتقول عن شغفها بالتصميم: رغم أن دراستي لا تمت بصلة لمجال التصميم، فإنني شغوفة بهذا الفن وأسعى دائماً من خلال تصميماتي للتعبير عن ثقافة الإمارات، وهذا التصميم عبارة عن 3 أجزاء، الأول منه مستوحى من التراث الإماراتي والخليجي يُعرف باسم «قرص عجيل» وفكرته مستوحاة من العقال الذي يرتديه الرجال، والثانية عبارة عن مجسم على شكل مقعد تقليدي وتصميمه مستوحى من شكل الكثبان الرملية في الإمارات، والثالث قطعة على شكل «طاولة» واسمها «سان» تقف على قائمتين اثنتين فقط، وتحافظ على ثباتها، كما صنعت «كوب» له أيادي، واستخدمت في تصنيع مشروعي الخشب المعاد تدويره مع «ميكروبلاستر» وهي مواد لها علاقة بالاستدامة، وتنفيذ كل القطع استغرق حوالي أسبوعين لكل منها، ماعدا هذا الكوب استغرق 6 أشهر، وذلك لأن المسافة ما بين الأيادي صغيرة، فكان كلما قمت بتصنيعه ينكسر، ولكنني ثابرت على صناعته حتى خرج بالطريقة التي كنت أريدها.
البلاستيك والبيئة
تحدثنا المصممة د. إيمان إبراهيم مدرسة بكلية الفنون الجميلة والتصميم في جامعة الشارقة عن ملامح مشروعها وتقول: العمل الذي أشارك به اسمه «ريفز»، وهي كلمة إنجليزية تعني «الشعاب المرجانية» واخترت فكرة المشروع لتتماشى مع السمة المميزة للمعرض وهي الاستدامة، وبما أن أحدث الدراسات العلمية في هذا المجال أثبتت أن أكثر الأشياء التي تؤثر سلباً في البيئة البحرية هي البلاستيك، خاصة عندما يصل للبحر، والذي يدمر الشعاب المرجانية في أماكن كثيرة، ولذلك فقد فكرنا في كيفية إعادة استخدام البلاستيك الضار بطرق فنية مبتكرة ومفيدة، وقمت بإعداد التصميم الذي نقدمه كنتاج لمجموعة أبحاث استمرت سنتين، وتقوم فكرة التصميم على استخدام زجاجات البلاستيك وتقطيعها قطعاً صغيرة للغاية ونخلطها بعدة مواد مختلفة مثل النحاس ويتم طحنها وتحويلها إلى سائل يمكن استخدامها بعدة أشكال وتلبي عدة وظائف، ويمكن استخدامها في الإضاءة أو في الديكورات الداخلية بطرق مختلفة.
وتتابع د. إيمان: تنبع أهمية عرض التصميمات القائمة على فكرة الاستدامة، لأن هذا يرفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية التي قد تعرض بعض الدول لدفع غرامات إذا زادت معدلاتها، وتأكيد ضرورة أن نبتكر أفكاراً جديدة تساعد على إعادة التدوير والتفكير بشكل خلاق وإبداعي لمستقبل أفضل نحافظ فيه على مواردنا الطبيعية.
التراث البحري
علياء الغفلي مصممة داخلية ومصممة أثاث إماراتية تخصصت بدراسة التصميم الداخلي في جامعة زايد ودرست تصميم الأثاث في ميلان بإيطاليا، وتعمل في هيئة الشارقة للمتاحف كمصممة معارض ومصممة داخلية، وتطلعنا على ملامح مشروعها المستوحى من الثقافة الإماراتية، وتقول: أحرص من خلال تصميماتي على أن تكون معبرة عن ملامح التراث الإماراتي ولكن أقدمه بشكل عصري ويمكن استخدامه في حياتنا اليومية، وهذا التصميم عبارة عن وحدات إضاءة منزلية مستوحاة من التراث البحري المحلي، حيث قبة هذا المصباح مستوحاة من شكل «القرقور» أو الشباك المعدنية التي تستخدم في الصيد والراتنج وهو المجسم على شكل كرة صغيرة يجسد لون البحر بشفافيته والطريقة التي يلف بها الراتنج مستوحاة من البكرات الموجودة في حبال الشراع، وكل المجموعة مصنوعة بطريقة يدوية وتتمتع بتوازن بصري دقيق بين عناصر المجموعة. وتصنيع وتنفيذ المشروع استغرق حوالي 8 شهور، واستخدمت به الألمنيوم المؤكسد وجلد الجمل.
أول تصميم
تعبر المصممة الإماراتية سارة المنصوري 22 عاماً، عن سعادتها بمشاركتها الأولى بمعرض دبي للتصميم، وتقول: هذا هو تصميمي الأول الذي أقوم بعرضه على الجمهور، وأعتبر التصميم شغفي ومشروعي المستقبلي حيث أطمح أن يكون لي مشروعي الخاص في هذا المجال، وأستفيد من دراستي بمجال إدارة العمال لنجاح مشروعي، وتصميمي بعنوان «إحياء الكاجوجا» والكاجوجا هي آلة تراثية تستخدم في صناعة التلي، ومكونة من مسند وبكرات وقماش التلي، واستخدمت في صناعتها الزجاجات البلاستيكية بدلاً من الحديد لتكون أداة مستدامة بكل بيت إماراتي، ورغم شهرة صناعة التلي، فإن الكثير من الناس لا يعرفون شيئاً عن أدوات تصنيعها، ولهذا حرصت على إحياء هذه الآلة وتقديمها بشكل عصري وجذاب وصديق للبيئة.