رسالة من ضفاف الراين إلى شارقة سلطان

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد *

في كل خريف تستضيف فرانكفورت معرض كتابها العريق والذي بدأ قبل قرابة 500 سنة، في هذه المدينة الواقعة في غربي ألمانيا على ضفاف نهر الراين، وعلى مدى سنوات طويلة حرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على حضور المعرض سنوياً، وتشمل جولة سموه السنوية معارض الكتب في مدن أوروبية أخرى ذات بريق مختلف، فلماذا كل هذا الاهتمام والحرص؟ وماهي الرسالة التي تصلنا؟.
عندما نتتبع جدول زيارات ولقاءات سموه خلال المعرض ربما تتضح الرسالة، ففي بداية أيام المعرض يعطي سموه الأولوية لمقابلة العارضين من دور الكتب العربية والتي تجمعهم به صداقات تمتد لسنوات طويلة، يتحدث معهم عن آمالهم وتحدياتهم في مجالي النشر والتوزيع، وهم يشاطرونه إيمانه بأهمية انتشار الكتاب لتعم المعرفة.
وأتذكر زيارة سموه إلى جناح جمعية الناشرين الإماراتيين، حيث أثنى سموه على الجمعية التي تضم تحت مظلتها 160 ناشراً وتوفر لهم الدعم والرعاية للارتقاء بمستوى النشر الإماراتي، موصياً سموه إدارة الجمعية والناشرين بالحرص على العناية باللغة العربية والنقد الأدبي البناء، وتقديم محتوى ثقافي ذي قيمة أدبية وعلمية.
من ضمن أولويات سموه كذلك في مستهل زيارته للمعرض اللقاء بالوفد الإعلامي للدولة المشارك في المعرض، لقاء يحرص عليه كل إعلامي حيث تتفاعل الأسئلة وتتنوع المواضيع، ويتلقاها المجيب بصدره الرحب وتأتي الإجابات كرسائل واضحة تلخص تحديات جسيمة وتستنهض الهمم وتشرح كيف يمكن تجاوزها، في تلك الحلقة الكبيرة التي تحيط بسموه حيث الكل منصت ليستنير ويتعلم.
اليوم الثاني للزيارة يبدأ بعد احتساء فنجان القهوة في فندق فيلا كينيدي، وسمي بكينيدي نسبة إلى الرئيس الأمريكي جون كينيدي الذي سكنه خلال زيارته إلى ألمانيا في ستينات القرن المنصرم، والحدث الأهم اليوم هو توقيع صاحب السمو على كتابه الجديد باللغة الألمانية.
عند وصولنا إلى دار النشر التي أطلقت الكتاب كان واضحاً من الترحيب عمق العلاقة بين سموه وصاحب دار النشر، وعلى الرغم من ازدحام المكان بالمنتظرين الحاملين نسخهم الجديدة للحصول على توقيع المؤلف، كان الجميع مبتهجاً، حيث اكتظت الأجساد واتسعت القلوب.
سألت الألماني مالك دار النشر القادم من مدينة «أولم».. «متى تعرفت إلى صاحب السمو حاكم الشارقة ؟» فقال: «منذ أكثر من 40 سنة ولقد ترجمت ونشرت مؤلفاته إلى اللغة الألمانية، وعلى مدى عشرات السنين يأتي سموه ليطلق كتاباً جديداً من جناحي هذا، ويجلس سموه على هذا الكرسي الذي تراه ويوقع على كتابه على نفس الطاولة، بينما أقف بجانبه عندما يبدأ بالتوقيع على كتابه الجديد.
عرفت عندها لماذا يأتي سموه إلى هذا الجناح الصغير؟، هو الوفاء أولاً، ولكي يرى أحد رفقاء دربه، والذي حمله أمانة كبرى في ترجمة ونقل كتبه إلى شعوب لا تتحدث لغتنا، وبذلك تسهم هذه الكتب في استمرار الحوار بين الثقافات.
أما مأدبة العشاء الرسمي على شرف سموه فأجواؤها مختلفة عن اللقاءات النهارية، ولأن بعض الضيوف لا يتحدثون العربية يحدثهم مضيفهم بالإنجليزية، وتبقى الرسالة نفسها التي تؤكد أن العرب مسؤولون عن نقل ثقافتهم إلى الشعوب الأخرى، وفي مثل هذه المناسبات تترسخ العلاقات وتبنى الشراكات.
في السنوات الأخيرة أصبحت مشاركة الامارات في المعرض تشكل الجزء الأكبر من المشاركة العربية، استفدنا الكثير من مشاركاتنا المستمرة منذ سنوات عديدة، واستطعنا ترجمة ذلك إلى إنجاز على أرضنا، وأصبح معرض الشارقة الدولي للكتاب اليوم أكبر معرض في العالم من حيث بيع وشراء حقوق النشر.
خلال افتتاح بهيج لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين تشرفت بالسلام على سموه راعي الحفل وأهديته نسخة من كتابي «التجربة الألمانية» الصادر عن دار روايات للنشر، وقال سموه بنبرة اشتياق «لم أزر معرض فرانكفورت منذ مدة»، وكان سموه يقوم بجولة في المعرض استمرت لعدة ساعات وبرفقته الأديب عبدالرزاق جورنا الفائز بجائزة نوبل في الأدب لهذه السنة.
تبدو المسافة شاسعة بين المعرض الآن وبداياته، بوركت يد غرست حب القراءة في قلوبنا، بوركت يد سلطان الشارقة الذي غرس كل هذا العلم والثقافة والنور في قلوب أبناء الإمارات والأمة العربية.. أمة تقرأ هي أمة ترقى.
* دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"